وذهب جمهور العلماء أن معناها : فظنّ أن لن نضيق عليه، كقوله :﴿ يَبْسُطُ الرزق لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ ﴾ [ الشورى : ١٢ ]، أي يضيق، ومنه قوله :﴿ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ﴾ [ الطلاق : ٧ ].
يقال : وقَدَر وقُدِر وقَتَر وقُتِر، أي ضيق.
وقيل : هو من القدر الذي هو القضاء والحكم، أي فظنّ أن لن نقضي عليه العقوبة، قاله قتادة ومجاهد، واختاره الفراء والزجاج، مأخوذ من القدر وهو الحكم دون القدرة والاستطاعة.
قال أحمد بن يحيى ثعلب : هو من التقدير ليس من القدرة، يقال منه : قدّر الله لك الخير يقدره قدراً، وأنشد ثعلب :
فليست عشيات اللوى برواجع... لنا أبداً ما أروق السلم النضر
ولا عائد ذاك الزمان الذي مضى... تباركت ما تقدر مع ذلك الشكر
أي ما تقدره وتقضي به، ومما يؤيد ما قاله هؤلاء قراءة عمر بن عبد العزيز والزهري :" فظنّ أن لن نقدّر " بضم النون وتشديد الدال من التقدير.
وحكى هذه القراءة الماوردي عن ابن عباس، ويؤيد ذلك أيضاً قراءة عبيد بن عمير وقتادة والأعرج :" أن لن يقدّر " بضم الياء والتشديد مبنياً للمفعول، وقرأ يعقوب وعبد الله بن أبي إسحاق والحسن :" يقدر " بضم الياء وفتح الدال مخففاً مبنياً للمفعول.
وقد اختلف العلماء في تأويل الحديث الصحيح في قول الرجل الذي لم يعمل خيراً قط لأهله أن يحرقوه إذا مات، ثم قال : فوالله لئن قدّر الله عليّ.
..
الحديث كما اختلفوا في تأويل هذه الآية، والكلام في هذا يطول وقد ذكرنا ها هنا ما لا يحتاج معه الناظر إلى غيره.
والفاء في قوله :﴿ فنادى فِي الظلمات ﴾ فصيحة أي كان ما كان من التقام الحوت له، فنادى في الظلمات، والمراد بالظلمات : ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، وكان نداؤه : هو قوله :﴿ أَن لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سبحانك إِنّي كُنتُ مِنَ الظالمين ﴾ أي بأن لا إله إلا أنت.
..