وقال القاسمى :
﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
أي : اذكر ذا النون يعني صاحب الحوت، وهو يونس عليه السلام، وصبره على ما أصابه، ثم إنابته ونجاته، ليثتبت في نبئه فؤادك ويقوى على الصبر على ما يقوله الطغاة جنانك. وهذه القصة مذكورة ههنا وفي سورة الصافات وفي سورة ن. وذلك أن يونس بن متى عليه السلام، أمره الله أن ينطلق إلى أهل نينوى - من أرض الموصل، كرسي سلطنة الأشوريين ليدعوهم إلى الإيمان به تعالى وحده، وإلى إقامة القسط ونشر العدل وحسن السيرة. وكانوا على الضد من ذلك، تعاظم كفرهم وتزايد شرهم. فخشي أن لا يتم له الأمر معهم، فأبق من بيت المقدس إلى يافا. ونزل في سفينة سائرة إلى ترشيش ليقيم فيها. فأرسل الله ريحاً شديدة على البحر أشرفت السفينة معه على الغرق. فتخفف الركاب من أمتعتهم فلم يفد، فوقع في أنفسهم أن في السفينة شخصاً سيهلكون بسببه، فاقترعوا لينظروا من هو فخرجت القرعة على يونس، فقذفوه في البحر وسكن جيشانه وتموجه. وهيأ الله حوتاً ليونس فابتلعه، فمكث في جوف الحوت ثلاثة أيام. ثم دعا ربه فاستجاب له، وألقاه الحوت على الساحل. ثم أوحى الله إلى يونس ثانية بالمسير إلى نينوى، ودعوتها إلى الله تعالى، فوصلها ونادى فيهم بالتوحيد والتوبة. وتوعدهم إن لم يؤمنوا أن تنقلب بهم نينوى، فلما تحققوا ذلك آمنوا. فرفع الله عنه العذاب، قال تعالى :﴿ فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ﴾ [ يونس : ٩٨ ].