الخامس : قوله تعالى :﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ﴾ أي : دعاؤه :﴿ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ﴾ يعني بأن قذفه الحوت إلى الساحل، قيل لم يقل فنجيناه كما قال في قصة أيوب عليه السلام :﴿ فَكَشَفْنَا ﴾ [ ٨٤ ]، لأنه دعا بالخلاص من الضر، فالكشف المذكور يترتب على استجابته. ويونس عليه السلام لم يدع، فلم يوجد وجه الترتيب في استجابته. وردّ بأن الفاء في قصة أيوب تفسيرية. والعطف هنا أيضاً تفسيري. والتفنن طريقة مسلوكة في علم البلاغة. ثم لا نسلم أن يونس لم يدع بالخلاص ولو لم يكن دعاء لم تتحقق الاستجابة. واستظهر الشهاب في سر الإتيان بالفاء ثمة. والواو هنا غير التفنن المذكور. أن يقال : إن الأول دعاء بكشف الضر وتلطف في السؤال.
فلما أجمل في الاستجابة، وكان السؤال بطريقة الإيماء، ناسب أن يؤتى بالفاء التفصيلية. وأما هنا، فإنه لما هاجر من غير أمر، على خلاف معتاد الأنبياء عليهم السلام. كان ذلك ذنباً. كما أشار إليه بقوله :﴿ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ فما أومأ إليه هو الدعاء بعدم مؤاخذته بما صدر منه من سيئات الأبرار. فالاستجابة عبارة عن قبول توبته وعدم مؤاخذته : وليس ما بعده تفسيراً له، بل زيادة إحسان على مطلوبه. ولذا عطف بالواو. انتهى.
السادس : قوله :﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي : إذا كانوا في غموم، وأخلصوا في أدعيتهم منيبين، لا سيما بهذا الدعاء : وقد روي في الترغيب آثار : منها عند أحمد والترمذي : دعوة ذي النون، لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط، إلا استجاب له. أ هـ ﴿محاسن التأويل حـ ١١ صـ ٢٢٥ ـ ٢٢٩﴾