إلهي تقطعت أصابعي، وتساقطت لهواتي، وتناثر شعري وذهب المال، وصرت أسأل اللقمة فيطعمني من يمن بها علي ويعيرني بفقري وهلاك أولادي.
قال الإمام أبو القاسم الأنصاري رحمه الله، وفي جملة هذا الكلام : ليتك لو كرهتني لم تخلقني، ثم قال : ولو كان ذلك صحيحاً لاغتنمه إبليس، فإن قصده أن يحمله على الشكوى، وأن يخرجه عن حلية الصابرين، والله تعالى لم يخبر عنه إلا قوله :﴿أَنّي مَسَّنِيَ الضر وَأَنتَ أَرْحَمُ الراحمين﴾ ثم قال :
﴿إِنَّا وجدناه صَابِراً نّعْمَ العبد إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ ص : ٤٤ ] واختلف العلماء في السبب الذي قال لأجله :﴿أَنّي مَسَّنِيَ الضر وَأَنتَ أَرْحَمُ الراحمين﴾ وفي مدة بلائه.
فالرواية الأولى : روى ابن شهاب عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :" إن أيوب عليه السلام بقي في البلاء ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا يغدوان ويروحان إليه، فقال أحدهما للآخر ذات يوم : والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين، فقال له صاحبه : وما ذاك ؟ فقال : منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله تعالى ولم يكشف ما به.
فلما راحا إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك لأيوب عليه السلام.
فقال أيوب : ما أدري ما تقولون، غير أن الله تعالى يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله عز وجل فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكر الله إلا في حق ".
وفي رواية أخرى :" أن الرجلين لما دخلا عليه وجدا ريحاً فقالا : لو كان لأيوب عند الله خير ما بلغ إلى هذه الحالة، قال : فما شق على أيوب شيء مما ابتلى به أشد مما سمع منهما، فقال : اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت شبعاناً وأنا أعلم بمكان جائع فصدقني فصدقه وهما يسمعان، ثم خر أيوب عليه السلام ساجداً ثم قال : اللهم إني لا أرفع رأسي حتى تكشف ما بي قال فكشف الله ما به "


الصفحة التالية
Icon