وثانيها : أنه لم يقل ومن تعبدون بل قال ما تعبدون وكلمة ما لا تتناول العقلاء.
أما قوله تعالى :﴿والسماء وَمَا بناها﴾ [ الشمس : ٥ ] وقوله :﴿لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾ [ الكافرون : ٢ ] فهو محمول على الشيء ونظيره ههنا أن يقال : إنكم والشيء الذي تعبدون من دون الله لكن لفظ الشيء لا يفيد العموم فلا يتوجه سؤال ابن الزبعري.
وثالثها : أن من عبد الملائكة لا يدعي أنهم آلهة، وقال سبحانه :﴿لَوْ كَانَ هَؤُلاء ءالِهَةً مَّا وَرَدُوهَا ﴾.
ورابعها : هب أنه ثبت العموم لكنه مخصوص بالدلائل العقلية والسمعية في حق الملائكة والمسيح وعزير لبراءتهم من الذنوب والمعاصي، ووعد الله إياهم بكل مكرمة، وهذا هو المراد من قوله سبحانه :﴿إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ [ الأنبياء : ١٠١ ].
وخامسها : الجواب الذي ذكره رسول الله ﷺ وهو أنهم كانوا يعبدون الشياطين، فإن قيل الشياطين عقلاء، ولفظ ما لا يتناولهم فكيف قال الرسول ﷺ ذلك ؟ قلنا كأنه عليه السلام قال : لو ثبت لكم أنه يتناول العقلاء فسؤالكم أيضاً غير لازم من هذا الوجه.
وأما ما قيل : إنه عليه السلام سكت عند إيراد ابن الزبعري هذا السؤال فهو خطأ لأنه لا أقل من أنه عليه السلام كان يتنبه لهذه الأجوبة التي ذكرها المفسرون، لأنه عليه السلام كان أعلم منهم باللغة وبتفسير القرآن، فكيف يجوز أن تظهر هذه الأجوبة لغيره، ولا يظهر شيء منها له عليه السلام.
فإن قيل : جوزوا أن يسكت عليه السلام انتظاراً للبيان قلنا : لما كان البيان حاضراً معه لم يجز عليه السكوت لكي لا يتوهم فيه الانقطاع عن سؤالهم، ومن الناس من أجاب عن سؤال ابن الزبعري فقال : إن الله تعالى يصور لهم في النار ملكاً على صورة من عبدوه، وحينئذ تبقى الآية على ظاهرها واعلم أن هذا ضعيف من وجهين.


الصفحة التالية
Icon