الأول : أن القوم لم يعبدوا تلك الصورة وإنما عبدوا شيئاً آخر لم يحصل معهم في النار.
الثاني : وهو أن الملك لا يصير حصب جهنم في الحقيقة وإن صح أن يدخلها، فإن خزنة النار يدخلونها مع أنهم ليسوا حصب جهنم.
المسألة الثانية :
الحكمة في أنهم قرنوا بآلهتهم أمور.
أحدها : أنهم لا يزالون لمقارنتهم في زيادة غم وحسرة، لأنهم ما وقعوا في ذلك العذاب إلا بسببهم والنظر إلى وجه العدو باب من العذاب. (١)
وثانيها : أن القوم قدروا أنهم يشفعون لهم في الآخرة في دفع العذاب، فإذا وجدوا الأمر على عكس ما قدروا لم يكن شيء أبغض إليهم منهم.
وثالثها : أن إلقاءها في النار يجري مجرى الاستهزاء بعبادها.
ورابعها : قيل ما كان منها حجراً أو حديداً يحمى ويلزق بعبادها، وما كان خشباً يجعل جمرة يعذب بها صاحبها.
أما قوله تعالى :﴿حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ فالمراد يقذفون في نار جهنم فشبههم بالحصباء التي يرمى بها الشيء فلما رمى بها كرمي الحصباء، جعلهم حصب جهنم تشبيهاً، قال صاحب "الكشاف" : الحصب الرمي وقرىء بسكون الصاد وصفاً بالمصدر، وقرىء حطب وحضب بالضاد المنقوطة متحركاً وساكناً.
أما قوله تعالى :﴿أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ فإنما جاز مجيء اللام في لها لتقدمها على الفعل تقول أنت لزيد ضارب كقوله تعالى :﴿والذين هُمْ لأماناتهم وَعَهْدِهِمْ﴾ [ المؤمنون : ٨ ] ﴿والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ﴾ [ المؤمنون : ٥ ] أي أنتم فيها داخلون، والمعنى أنه لا بد وأن تردوها ولا معدل لكم عن دخولها.
أما قوله تعالى :﴿لَوْ كَانَ هَؤُلاء ءَالِهَةً مَّا وَرَدُوهَا﴾ فاعلم أن قوله :﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله﴾ بالأصنام أليق لدخول لفظة ما، وهذا الكلام بالشياطين أليق لقوله هؤلاء ويحتمل أن يريد الشياطين والأصنام فيغلب بأن يذكروا بعبارة العقلاء، ونبه الله تعالى على أن من يرمى إلى النار لا يمكن أن يكون إلهاً.

(١) قال أبو الطيب المتنبي في هذا المعنى :
واحتمال الأذى ورؤية جالي ه غذاء تضوى به الأجسام


الصفحة التالية
Icon