وههنا سؤال : وهو أن قوله :﴿لَوْ كَانَ هَؤُلاء ءالِهَةً مَّا وَرَدُوهَا﴾ لكنهم وردوها فهم ليسوا آلهة حجة، وهذه الحجة إما أن يكون ذكرها لنفسه أو لغيره، فإن ذكرها لنفسه فلا فائدة فيه لأنه كان عالماً بأنها ليست آلهة وإن ذكرها لغيره، فإما أن يذكرها لمن يصدق بنبوته أو لمن يكذب بنبوته، فإن ذكرها لمن صدق بنبوته فلا حاجة إلى هذه الحجة لأن كل من صدق بنبوته لم يقل بإلهية هذه الأصنام وإن ذكرها لمن يكذب بنبوته، فذلك المكذب لا يسلم أن تلك الآلهة يردون النار ويكذبونه في ذلك، فكان ذكره هذه الحجة ضائعاً كيف كان، وأيضاً فالقائلون بآلهيتها لم يعتقدوا فيها كونها مدبرة للعالم وإلا لكانوا مجانين، بل اعتقدوا فيها كونها تماثيل الكواكب أو صور الشفعاء، وذلك لا يمنع من دخولها في النار.
وأجيب عن ذلك بأن المفسرين قالوا : المعنى لو كان هؤلاء يعني الأصنام آلهة على الحقيقة ما وردوها أي ما دخل عابدوها النار، ثم إنه سبحانه وصف ذلك العذاب بأمور ثلاثة : أحدها : الخلود فقال :﴿وَكُلٌّ فِيهَا خالدون﴾ يعني العابدين والمعبودين وهو تفسير لقوله :﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله ﴾.
وثانيها : قوله :﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ﴾ قال الحسن : الزفير هو اللهيب، أي يرتفعون بسبب لهب النار حتى إذا ارتفعوا ورجوا الخروج ضربوا بمقامع الحديد فهووا إلى أسفلها سبعين خريفاً، قال الخليل : الزفير أن يملأ الرجل صدره غماً ثم ينتفس قال أبو مسلم وقوله لهم : عام لكل معذب، فنقول لهم : زفير من شدة ما ينالهم والضمير في قوله :﴿وَهُمْ فِيهَا يَسْمَعُونَ﴾ يرجع إلى المعبودين أي لا يسمعون صراخهم وشكواهم.
ومعناه : أنهم لا يغيثونهم وشبهه سمع الله لمن حده أي أجاب الله دعاءه.
وثالثها : قوله :﴿وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ﴾ وفيه وجهان : أحدهما : أنه محمول على الأصنام خاصة على ما حكيناه عن أبي مسلم.


الصفحة التالية
Icon