ولما كان أقل ما ينكىء من المكروه سماعه، قال :﴿لا يسمعون حسيسها﴾ أي حركتها البالغة وصوتها الشديد، فكيف بما دونه لأن الحس مطلق الصوت أو الخفي منه كما قال البغوي، فإذا زادت حروفه زاد معناه ﴿وهم﴾ أي الذين سبقت لهم منا الحسنى ﴿في ما﴾ ولما كانت الشهوة - وهي طلب النفس اللذة - لا تكون إلا بليغة، عبر بالافتعال دلالة على عظيم ما هم فيه من اللذة فقال :﴿اشتهت أنفسهم﴾ في الجنة ﴿خالدون﴾ أي دائماً أبداً.
ولما كان معنى ذلك أن سرورهم ليس له زوال، أكده بقوله :﴿لا يحزنهم﴾ أي يدخل عليهم حزناً - على قراءة الجماعة حتى نافع بالفتح، عن حزنه، أو جعلهم حزبين - على قراءة أبي جعفر بضم ثم كسر، من أحزنه - رباعياً، فهي أشد، فالمنفي فيها كونه يكون لهم صفة ﴿الفزع الأكبر﴾ أي فما الظن بما دونه ﴿وتتلقاهم﴾ أي تلقياً بالغاً في الإكرام ﴿الملائكة﴾ حيثما توجهوا، قائلين بشارة لهم :﴿هذا يومكم﴾ إضافة إليهم لأنهم المنتفعون به ﴿الذي كنتم﴾ في الدنيا.
ولما تطابق على الوعد فيه الرسل والكتب والأولياء من جميع الأتباع، بنى الفعل للمفعول إفادة للعموم فقال :﴿توعدون﴾ أي بحصول ما تتمنون فيه من النصر والفوز العظيم، والنعيم المقيم، فأبشروا فيه بجميع ما يسركم.


الصفحة التالية
Icon