الثاني : أن أبعاد الشيء عن الشيء لا يصح إلا إذا كانا متقاربين لأنهما لو كانا متباعدين استحال إبعاد أحدهما عن الآخر، لأن تحصيل الحاصل محال، واحتج القاضي عبد الجبار على فساد هذا القول الأول بأمور : أحدها : أن قوله تعالى :﴿إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى﴾ يقتضي أن الوعد بثوابهم قد تقدم في الدنيا وليس هذا حال من يخرج من النار لو صح ذلك.
وثانيها : أنه تعالى قال :﴿أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ وكيف يدخل في ذلك من وقع فيها.
وثالثها : قوله تعالى :﴿لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا﴾ وقوله :﴿لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر﴾ يمنع من ذلك.
والجواب عن الأول : لا نسلم أن [ يقال ] المراد من قوله :﴿إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى﴾ هو أن الوعد بثوابهم قد تقدم، ولم لا يجوز أن المراد من الحسنى تقدم الوعد بالعفو، سلمنا أن المراد من الحسنى تقدم الوعد بالثواب، لكن لم قلتم إن الوعد بالثواب لا يليق بحال من يخرج من النار فإن عندنا المحابطة باطلة ويجوز الجمع بين استحقاق الثواب والعقاب.
وعن الثاني : أنا بينا أن قوله :﴿أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ لا يمكن إجراؤه على ظاهره إلا في حق من كان في النار.
وعن الثالث : أن قوله :﴿لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا﴾ مخصوص بما بعد الخروج.
أما قوله :﴿لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر﴾ فالفزع الأكبر هو عذاب الكفار، وهذا بطريق المفهوم يقتضي أنهم يحزنهم الفزع الأصغر، فإن لم يدل عليه فلا أقل من أن لا يدل على ثبوته ولا على عدمه.


الصفحة التالية
Icon