الوجه الثاني : في تفسير قوله :﴿أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ أن المراد الذين سبقت لهم منا الحسنى لا يدخلون النار ولا يقربونها ألبتة، وعلى هذا القول بطل قول من يقول : إن جميع الناس يردون النار ثم يخرجون إلى الجنة، لأن هذه الآية مانعة منه وحينئذ يجب التوفيق بينه وبين قوله :﴿وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا﴾ [ مريم : ٧١ ] وقد تقدم.
الصفة الثانية : قوله تعالى :﴿لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا﴾ والحسيس الصوت الذي يحس، وفيه سؤالان : الأول : أي وجه في أن لا يسمعوا حسيسها من البشارة ولو سمعوه لم يتغير حالهم.
قلنا : المراد تأكيد بعدهم عنها لأن من لم يدخلها وقرب منها قد يسمع حسيسها.
السؤال الثاني : أليس أن أهل الجنة يرون أهل النار فكيف لا يسمعون حسيس النار ؟ الجواب : إذا حملناه على التأكيد زال هذا السؤال.
الصفة الثالثة : قوله :﴿وَهُمْ فِيمَا اشتهت أَنفُسُهُمْ خالدون﴾ والشهوة طلب النفس للذة يعني نعيمها مؤبد، قال العارفون : للنفوس شهوة وللقلوب شهوة وللأرواح شهوة، وقال الجنيد : سبقت العناية في البداية، فظهرت الولاية في النهاية.
الصفة الرابعة : قوله :﴿لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر﴾ وفيه وجوه : أحدها : أنها النفخة الأخيرة لقوله تعالى :﴿وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور فَفَزِعَ مَن فِي السموات وَمَن فِى الأرض﴾ [ النمل : ٨٧ ].


الصفحة التالية
Icon