وجملة ﴿ لا يسمعون حسيسها ﴾ بيان لمعنى مبعَدون، أي مبعدون عنها بعداً شديداً بحيث لا يلفحهم حرّها ولا يروعهم منظرها ولا يسمعون صوتها، والصوت يبلغ إلى السمع مِنْ أبعد مما يبلغ منه المرئي.
والحسيس : الصوت الذي يبلغ الحس، أي الصوت الذي يسمع من بعيد، أي لا يقربون من النار ولا تبلغ أسماعهم أصواتُها، فهم سالمون من الفزع من أصواتها فلا يقرع أسماعهم ما يؤلمها.
وعقّب ذلك بما هو أخص من السلامة وهو النعيم الملائم.
وجيء فيه بما يدل على العموم وهو ﴿ فيما اشتهت أنفسهم ﴾ وما يدلّ على الدوام وهو ﴿ خالدون ﴾.
والشهوة : تشوق النفس إلى ما يلَذّ لها.
وجملة ﴿ لا يحزنهم الفزع ﴾ خبر ثان عن الموصول.
والفزع : نفرة النفس وانقباضها مما تتوقع أن يحصل لها من الألم وهو قريب من الجَزع.
والمراد به هنا فزع الحشر حين لا يعرف أحد ما سيؤول إليه أمره، فيكونون في أمن من ذلك بطمأنة الملائكة إياهم.
وذلك مفاد قوله تعالى :﴿ وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون ﴾ فهؤلاء الذين سبقت لهم الحسنى هم المراد من الاستثناء في قوله تعالى:
﴿ ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا مَن شاء الله ﴾ [ النمل : ٨٧ ].
والتلقي : التعرض للشيء عند حلوله تعرض كرامة.
والصيغة تشعر بتكلف لقائه وهو تكلف تهيؤ واستعداد.
وجملة ﴿ هذا يومكم الذي كنتم توعدون ﴾ مقول لقول محذوف، أي يقولون لهم : هذا يومكم الذي كنتم توعدون، تذكيراً لهم بما وُعدوا في الدنيا من الثواب، لئلا يحسبوا أن الموعود به يقع في يوم آخر.
أي هذا يوم تعجيل وعدكم.
والإشارة باسم إشارة القريب لتعيين اليوم وتمييزه بأنه اليوم الحاضر.
وإضافة ( يوم ) إلى ضمير المخاطبين لإفادة اختصاصه بهم وكون فائدتهم حاصلة فيه كقول جرير:
يا أيها الراكب المزجي مطيته...
هذا زمَانُك إني قد خلا زمني
أي هذا الزمن المختص بك، أي لتتصرف فيه.


الصفحة التالية
Icon