وليس في الآية دليل على اضمحلال السماوات بل على اختلال نظامها، وفي [ سورة الزمر : ٦٧ ] ﴿ والسماوات مطويات بيمينه ﴾ ومسألة دثور السماوات ( أي اضمحلالها ) فَرَضَها الحكماء المتقدمون ومال إلى القول باضمحلالها في آخر الأمر ( انكسمائس ) المَلْطي و( فيثاغورس ) و( أفلاطون ).
وقرأ الجمهور نطوي } بنون العظمة وكسر الواو ونصب ﴿ السماء ﴾.
وقرأه أبو جعفر بضم تاء مضارعة المؤنث وفتح الواو مبنياً للنائب وبرفع ﴿ السماء ﴾.
والبَدء : الفعل الذي لم يُسبق مماثله بالنسبة إلى فاعلٍ أو إلى زمانٍ أو نحو ذلك.
وبَدْء الخلق كونه لم يكن قبل، أي كما جعلنا خلْقاً مبدوءاً غير مسبوق في نوعه.
وخلق : مصدر بمعنى المفعول.
ومعنى إعادة الخلق : إعادة مماثلة في صورته فإن الخلق أي المخلوق باعتبار أنه فرد من جنس إذَا اضمحل فقيل فإنما يعاد مثله لأن الأجناس لا تحقق لها في الخارج إلا في ضمن أفرادها كما قال تعالى :﴿ سنعيدها سيرتها الأولى ﴾ أي مثل سيرتها في جنسها، أي في أنها عصا من العصيّ.
وظاهر ما أفاده الكاف من التشبيه في قوله تعالى :﴿ كما بدأنا أول خلق نعيده ﴾ أن إعادة خلق الأجسام شبّهت بابتداء خلقها.
ووجه الشبه هو إمكان كليهما والقدرة عليهما وهو الذي سيق له الكلام على أن التشبيه صالح للمماثلة في غير ذلك.
روى مسلم عن ابن عباس قال :" قام فينا رسول الله بموعظة فقال : يا أيها الناس إنكم تُحشرون إلى الله حُفاة عراة غُرْلاً ﴿ كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين ﴾ " الحديث.
فهذا تفسير لبعض ما أفاده التشبيه وهو من طريق الوحي واللفظ لا يأباه فيجب أن يعتبر معنى للكاف مع المعنى الذي دلت عليه بظاهر السياق.
وهذا من تفاريع المقدمة التاسعة من مقدمات تفسيرنا هذا.
وانتصب ﴿ وعداً ﴾ على أنه مفعول مطلق ل ﴿ نعيده ﴾ لأن الإخبار بالإعادة في معنى الوعد بذلك فانتصب على بيان النوع للإعادة.
ويجوز كونه مفعولاً مطلقاً مؤكداً لمضمون جملة ﴿ كما بدأنا أول خلق نعيده ﴾. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ١٧ صـ ﴾