فصل


قال الفخر :
أما قوله :﴿فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ ءاذَنتُكُمْ على سَوَاء﴾
فقال صاحب "الكشاف" : آذن منقول من أذن إذا علم ولكنه كثر استعماله في الجري مجرى الإنذار، ومنه قوله :﴿فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ الله وَرَسُولِهِ﴾ [ البقرة : ٢٧٩ ] إذا عرفت هذا فنقول : المفسرون ذكروا فيه وجوهاً.
أحدها : قال أبو مسلم : الإيذان على السواء الدعاء إلى الحرب مجاهرة لقوله تعالى :﴿فانبذ إِلَيْهِمْ على سَوَاء﴾ [ الأنفال : ٥٨ ] وفائدة ذلك أنه كان يجوز أن يقدر على من أشرك من قريش أن حالهم مخالف لسائر الكفار في المجاهدة، فعرفهم بذلك أنهم كالكفار في ذلك.
وثانيها : أن المراد فقد أعلمتكم ما هو الواجب عليكم من التوحيد وغيره على السواء، فلم أفرق في الإبلاغ والبيان بينكم، لأني بعثت معلماً.
والغرض منه إزاحة العذر لئلا يقولوا :﴿رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً﴾ [ طه : ١٣٤ ].
وثالثها : على سواء على إظهار وإعلان.
ورابعها : على مهل، والمراد أني لا أعاجل بالحرب الذي آذنتكم به بل أمهل وأؤخر رجاء الإسلام منكم.
أما قوله :﴿وَإِنْ أَدْرِى أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ﴾ ففيه وجهان : أحدهما :﴿أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ﴾ من يوم القيامة، ومن عذاب الدنيا ثم قيل : نسخه قوله :﴿واقترب الوعد الحق﴾ [ الأنبياء : ٩٧ ] يعني منهما، فإن مثل هذا الخبر لا يجوز نسخه.
وثانيها : المراد أن الذي آذنهم فيه من الحرب لا يدري هو قريب أم بعيد لئلا يقدر أنه يتأخر كأنه تعالى أمره بأن ينذرهم بالجهاد الذي يوحى إليه أن يأتيه من بعد ولم يعرفه الوقت، فلذلك أمره أن يقول : إنه لا يعلم قربه أم بعده.
تبين بذلك أن السورة مكية، وكان الأمر بالجهاد بعد الهجرة.


الصفحة التالية
Icon