وقد قيل في قوله تعالى :﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾ إنه نزل في وقعة بدر، لما في الصحيح عن علي وأبي ذر : أنها نزلت في مبارزة حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث مع شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة يوم بدر وكان أبو ذر يقسم على ذلك.
ولذلك فأنا أحسب هذه السورة نازلا بعضها آخر مدة مقام النبي ﷺ بمكة كما يقتضيه افتتاحها بـ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ فقد تقرر أن ذلك الغالب في أساليب القرآن المكي، وأن بقيتها نزلت في مدة مقام النبي ﷺ بالمدينة.
وروى الترمذي وحسنه وصححه عن ابن أبي عمر، عن سفيان عن ابن جدعان، عن الحسن، عن عمران بن حصين أنه لما نزلت على النبي ﷺ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ إلى قوله :﴿وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾.
قال : أنزلت عليه هذه وهو في سفر؟ فقال :" أتدرون...
" وساق حديثا طويلا.
فاقتضى قوله : أنزلت عليه وهو في سفر؟ أن هذه السورة أنزلت على النبي ﷺ بعد الهجرة فإن أسفاره كانت في الغزوات ونحوها بعد الهجرة.
وفي رواية عنه أن ذلك السفر في غزوة بني المصطلق من خزاعة وتلك الغزوة في سنة أربع أو خمس، فالظاهر من قوله " أنزلت وهو في سفر " أن عمران بن حصين لم يسمع الآية إلا يومئذ فظنتها أنزلت يومئذ فإن عمران بن حصين ما أسلم إلا عام خيبر وهو عام سبعة، أو أن أحد رواة الحديث أدرج كلمة أنزلت عليه وهو في سفر في كلام عمران بن حصين ولم يقله عمران.


الصفحة التالية
Icon