وهي مبتدأ ثان، والضمير المستتر في قوله ﴿ تولاه ﴾ عائد إلى ( مَن ) الموصولة.
والضمير المنصوب البارز عائد إلى ﴿ شيطان ﴾ [ الحج : ٣ ]، أي أن الذي يتخذ الشيطان ولياً فذلك الشيطان يضله.
والفاء في قوله ﴿ فأنه يضله ﴾ داخلة على الجملة الواقعة خبراً عن ( من ) الموصولة تشبيهاً لجملة الخبر عن الموصول بجملة الجزاء لشَبَه الموصول بالشرط قصداً لتقوية الإخبار.
والمصدر المنسبك من قوله ﴿ فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير ﴾ في تقدير مبتدأ هو صدر للجملة الواقعة خبراً عن ( مَن ) الموصولة.
والتقدير : فإضلاله إياه ودلالته إياه إلى عذاب السعير.
وخبر هذا المبتدأ مقدر لأنه حاصل من معنى إسناد فعلَي الإضلال والهداية إلى ضمير المبتدأ.
والتقدير : ثابتان.
ويجوز أن تجعل الفاء في قوله ﴿ فأنه يضله ﴾ فاء تفريع ويجعلَ ما بعدها معطوفاً على ﴿ من تولاه ﴾ ويكون المعطوف هو المقصود من الإخبار كما هو مقتضى التفريع.
والتقدير : كتب عليه ترتب الإضلال منه لمتولّيه وترتب إيصاله متوليَه إلى عذاب السعير.
هذان هما الوجهان في نظم الآية وما عداهما تكلفات.
واعلم أن ما نظمت به الآية هنا لا يجري على نظم قوله تعالى في [ سورة براءة : ٦٣ ] ﴿ ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالداً فيها ﴾ لأن مقتضى فعل العلم غيرُ مَقتضى فعل ( كُتب ).
فلذلك كانت ( مَن ) في قوله من يحادِدِ } شرطية لا محالة وكان الكلام جارياً على اعتبار الشرطية وكان الضمير هنالك في قوله ﴿ أنه ﴾ ضمير شأن.
ولما كان الضلال مشتهراً في معنى البعد عن الخير والصلاح لم يحتج في هذه الآية إلى ذكر متعلق فعل ﴿ يضله ﴾ لظهور المعنى.
وذُكِر متعلق فعل ﴿ يهديه ﴾ وهو ﴿ إلى عذاب السعير ﴾ لأن تعلقه به غريب إذ الشأن أن يكون الهَدْي إلى ما ينفع لا إلى ما يضر ويعذب.
وفي الجمع بين ﴿ يضله ويهديه ﴾ محسن الطِباق بالمضادة.


الصفحة التالية
Icon