وعلى هذا جماعة من أئمة الحديث لا يرون إبدال اللفظ ولا تغييره حتى إنهم يسمعون ملحوناً ويعلمون ذلك ولا يغيّرونه.
وروى أبو مِجْلَز عن قيس بن عُبَاد قال : قال عمر بن الخطاب : مَن سمع حديثاً فحدّث به كما سمع فقد سلم.
وروي نحوه عن عبد اللَّه بن عمرو وزيد بن أرقم.
وكذا الخلاف في التقديم والتأخير والزيادة والنقصان ؛ فإن منهم من يعتدّ بالمعنى ولا يعتدّ باللفظ، ومنهم من يشدّد في ذلك ولا يفارق اللفظ.
وذلك هو الأحوط في الدّين والأتقى والأولى ؛ ولكن أكثر العلماء على خلافه.
والقول بالجواز هو الصحيح إن شاء الله تعالى ؛ وذلك أن المعلوم من سيرة الصحابة رضي الله عنهم هو أنهم كانوا يروون الوقائع المتحدة بألفاظ مختلفة، وما ذاك إلا أنهم كانوا يصرفون عنايتهم للمعاني ولم يلتزموا التكرار على الأحاديث ولا كتبها.
وروي عن واثلة بن الأَسْقَع أنه قال : ليس كل ما أخبرنا به رسول الله ﷺ نقلناه إليكم ؛ حسبكم المعنى.
وقال قتادة عن زُرارة بن أوْفَى : لقيت عدّة من أصحاب النبيّ ﷺ فاختلفوا عليّ في اللفظ واجتمعوا في المعنى.
وكان النَّخَعِيّ والحسن والشعبيّ رحمهم الله يأتون بالحديث على المعاني.
وقال الحسن : إذا أصبت المعنى أجزأك.
وقال سفيان الثورِيّ رحمه الله : إذا قلت لكم إني أحدثكم كما سمعت فلا تصدّقوني ؛ إنما هو المعنى وقال وَكِيع رحمه الله : إن لم يكن المعنى واسعاً فقد هلك الناس.
واتفق العلماء على جواز نقل الشرع للعجم بلسانهم وترجمته لهم ؛ وذلك هو النقل بالمعنى.
وقد فعل الله ذلك في كتابه فيما قص من أنباء ما قد سلف، فقصّ قِصصاً ذكر في مواضع بألفاظ مختلفة والمعنى واحد، ونقلها من ألسنتهم إلى اللسان العربيّ وهو مخالف لها في التقديم والتأخير، والحذف والإلغاء، والزيادة والنقصان.
وإذا جاز إبدال العربية بالعجمية فَلأن يجوز بالعربية أوْلى.


الصفحة التالية
Icon