احتج بهذا المعنى الحسن والشافعيّ، وهو الصحيح في الباب.
فإن قيل : فقد قال النبيّ ﷺ :" نَضّر الله امرأ سمع مقالتي فبلّغها كما سمعها " وذكر الحديث.
وما " ثبت عنه ﷺ أنه أمر رجلاً أن يقول عند مضجعه في دعاء علمه :" آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيّك الذي أرسلت" ؛ فقال الرجل : ورسولك الذي أرسلت ؛ فقال النبيّ ﷺ :" ونبيّك الذي أرسلت" " قالوا : أفلا ترى أنه لم يسوّغ لمن علمه الدعاء مخالفة اللفظ وقال :" فأدّاها كما سمعها " قيل لهم : أما قوله :" فأدّاها كما سمعها " فالمراد حكمها لا لفظها ؛ لأن اللفظ غير معتدٍّ به.
ويدلّك على أن المراد من الخطاب حكمه قوله :" فرُبّ حامِل فقه غير فقيه ورُبّ حامِل فقه إلى من هو أفقه منه " ثم إن هذا الحديث بعينه قد نقل بألفاظ مختلفة والمعنى واحد ؛ وإن أمكن أن يكون جميع الألفاظ قول النبيّ ﷺ في أوقات مختلفة ؛ لكن الأغلب أنه حديث واحد نقل بألفاظ مختلفة ؛ وذلك أدلّ دليل على الجواز.
وأما ردّه عليه السلام الرجلَ من قوله :" ورسولك إلى قوله ونبيك" ؛ لأن لفظ النبيّ ﷺ أمدح ؛ ولكل نعت من هذين النعتين موضع.
ألا ترى أن اسم الرسول يقع على الكافة، واسم النبيّ لا يستحقه إلا الأنبياء عليهم السلام! وإنما فُضّل المرسلون من الأنبياء لأنهم جمعوا النبوّة والرسالة.
فلما قال :" ونبيك"، جاء بالنعت الأمدح، ثم قيّده بالرسالة بقوله :" الذي أرسلت".
وأيضاً فإن نقله من قوله " ورسولك إلى قوله ونبيك" ليجمع بين النبوّة والرسالة.
ومستقبح في الكلام أن تقول : هذا رسول فلان الذي أرسله، وهذا قتيل زيد الذي قتله ؛ لأنك تجتزىء بقولك : رسول فلان، وقتيل فلان عن إعادة المرسل والقاتل ؛ إذ كنت لا تفيد به إلا المعنى الأوّل.