وقد روي أن موسى عليه السلام سار بعد الخروج من التيه بمن بقي من بني إسرائيل إلى أريحاء وهي بأرض القدس وكان يوشع بن نون على مقدمته ففتحها وأقام بها ما شاء الله تعالى ثم قبض، وكأنهم أمروا بعد الفتح بالدخول على وجه الإقامة والسكنى كما يشير إليه قوله تعالى :﴿فَكُلُواْ﴾ الخ، وقوله تعالى في الأعراف ( ١٦١ ) ﴿اسكنوا هذه القرية﴾ ويؤكد كونه بعد الفتح الإشارة بلفظ القريب، والقول بأنها نزلت منزلة القريب ترويجاً للأمر بعيد، ولا ينافي هذا ما مر من أنه مات في التيه لأن المراد به المفازة لا التيه مصدر تاه يتيه تيهاً بالكسر والفتح وتيهاناً إذا ذهب متحيراً فليفهم.
﴿فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا﴾ أي واسعاً هنيئاً ونصبه على المصدرية أو الحالية من ضمير المخاطبين، وفي الكلام إشارة إلى حلّ جميع مواضعها لهم، أو الإذن بنقل حاصلها إلى أي موضع شاءوا مع دلالة ( رغداً ) على أنهم مرخصون بالأكل منها واسعاً وليس عليهم القناعة لسد الجوعة، ويحتمل أن يكون وعداً لهم بكثرة المحصولات وعدم الغلاء، وأخر هذه المنصوب هنا مع تقديمه في آية آدم عليه السلام قبل لمناسبة الفاصلة في قوله تعالى :﴿وادخلوا الباب سُجَّدًا﴾ والخلاف في نصب ( الباب ) في نصب ﴿هذه القرية﴾ والمراد بها على المشهور أحد أبواب بيت القدس، وتدعى الآن باب حطة قاله ابن عباس، وقيل : الباب الثامن من أبوابه، ويدعي الآن باب التوبة وعليه مجاهد وزعم بعضهم أنها باب القبة التي كانت لموسى وهرون عليهما السلام يتعبدان فيها، وجعلت قبلة لبني إسرائيل في التيه، وفي وصفها أمور غريبة في القصص لا يعلمها إلا الله تعالى.