ولما كان الإنزال مفهماً للسماء حققه تعظيماً له بقوله :﴿من السماء بما﴾ أي بسبب ما ﴿كانوا يفسقون﴾ أي يجددون الخروج من الطاعة إلى المعصية في كل وقت.
ففي إفهامه أنهم يعودون إلى الطاعة بعد الخروج منها وذلك مقتض لأن يكون يظلمون أشد منه كما يأتي.
قال الحرالي : فبحق يجب على من دخل من باب جبل أو قرية أن يقول في وصيدها : لا إله إلاّ الله، ليحط عنه ماضي ذنوبه، فكأنّ ذكر الله في باب المدينة والشعب ذكاة لذلك المدخل، فمن لم يدخله مذكياً دخله فاسقاً ﴿لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق﴾ [ الأنعام : ١٢١ ] فلذلك ما انختم ذكرهم في الآية بالفسق - انتهى. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ١٤٢ ـ ١٤٤﴾
فصل
قال الفخر :
أما قوله تعالى :﴿فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ﴾ ففيه قولان.
الأول : قال أبو مسلم قوله تعالى :﴿فَبَدَّلَ﴾ يدل على أنهم لم يفعلوا ما أمروا به، لا على أنهم أتوا له ببدل، والدليل عليه أن تبديل القول قد يستعمل في المخالفة، قال تعالى :﴿سَيَقُولُ المخلفون مّنَ الأعراب﴾ [ الفتح : ١١ ] إلى قوله :﴿يُرِيدُونَ أَن يُبَدّلُواْ كلام الله﴾ [ الفتح : ١٥ ] ولم يكن تبديلهم إلا الخلاف في الفعل لا في القول فكذا ههنا، فيكون المعنى أنهم لما أمروا بالتواضع وسؤال المغفرة لم يمتثلوا أمر الله ولم يلتفتوا إليه.
الثاني : وهو قول جمهور المفسرين : إن المراد من التبديل أنهم أتوا ببدل له لأن التبديل مشتق من البدل، فلا بد من حصول البدل، وهذا كما يقال : فلان بدل دينه، يفيد أنه انتقل من دين إلى دين آخر، ويؤكد ذلك قوله تعالى :﴿قَوْلاً غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ﴾ ثم اختلفوا في أن ذلك القول والفعل أي شيء كان ؟ فروي عن ابن عباس أنهم دخلوا الباب الذي أمروا أن يدخلوا فيه سجداً زاحفين على أستاههم، قائلين حنطة من شعيرة، وعن مجاهد أنهم دخلوا على أدبارهم وقالوا : حنطة استهزاء، وقال ابن زيد : استهزاء بموسى.