وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق ﴾ لما ذكر افتقار الموجودات إليه وتسخيرها على وَفْق اقتداره واختياره في قوله :﴿ يا أيها الناس إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ البعث إلى قوله بَهِيجٍ ﴾.
قال بعد ذلك :﴿ ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق وَأَنَّهُ يُحْيِي الموتى وَأَنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ الساعة آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَن فِي القبور ﴾.
فنبّه سبحانه وتعالى بهذا على أن كل ما سواه وإن كان موجوداً حقاً فإنه لا حقيقة له من نفسه ؛ لأنه مسخَّر مصرّف.
والحق الحقيقيّ : هو الموجود المطلق الغنيّ المطلق ؛ وأن وجود كلّ ذي وجود عن وجوب وجوده ؛ ولهذا قال في آخر السورة :﴿ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الباطل ﴾ [ الحج : ٦٢ ].
والحق الموجود الثابت الذي لا يتغيّر ولا يزول، وهو الله تعالى.
وقيل : ذو الحق على عباده.
وقيل : الحق بمعنى في أفعاله.
وقال الزجاج :"ذلِك" في موضع رفع ؛ أي الأمر ما وُصف لكم وبُيّن.
﴿ بِأَنَّ الله هُوَ الحق ﴾ أي لأن الله هو الحق.
قال : ويجوز أن يكون "ذلك" نصباً ؛ أي فعل الله ذلك بأنه هو الحق.
﴿ وَأَنَّهُ يُحْيِي الموتى ﴾ أي بأنه ﴿ وَأَنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ أي وبأنه قادر على ما أراد.
﴿ وَأَنَّ الساعة آتِيَةٌ ﴾ عطف على قوله :"ذلِك بِأن الله هو الحق" من حيث اللفظ، وليس عطفاً في المعنى ؛ إذ لا يقال فعل الله ما ذكر بأن الساعة آتية، بل لابد من إضمار فعل يتضمنه ؛ أي وليعلموا أن الساعة آتية ﴿ لاَّ رَيْبَ فِيهَا ﴾ أي لا شك.
﴿ وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَن فِي القبور ﴾ يريد للثواب والعقاب.
قوله تعالى :﴿ ومِنَ الناس مَن يُجَادِلُ فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ ﴾ أي نيّر بيّن الحجة.
نزلت في النضر بن الحارث.
وقيل : في أبي جهل بن هشام ؛ قاله ابن عباس.


الصفحة التالية
Icon