والمُعْظم على أنها نزلت في النضر بن الحارث كالآية الأولى، فهما في فريق واحد، والتكرير للمبالغة في الذم ؛ كما تقول للرجل تذمّه وتوبّخه : أنت فعلت هذا! أنت فعلت هذا! ويجوز أن يكون التكرير لأنه وصفه في كل آية بزيادة ؛ فكأنه قال : إن النضر بن الحارث يجادل في الله بغير علم ويتبّع كلّ شيطان مريد، والنضر بن الحارث يجادل في الله من غير علم ومن غير هُدًى وكتاب منير ؛ لِيُضل عن سبيل الله.
وهو كقولك : زيد يشتمني وزيد يضربني ؛ وهو تكرار مفيد ؛ قاله القشيريّ.
وقد قيل : نزلت فيه بضعَ عشرة آية.
فالمراد بالآية الأولى إنكاره البعث، وبالثانية إنكاره النبوّة، وأن القرآن منزل من جهة الله.
وقد قيل : كان من قول النضر بن الحارث أن الملائكة بنات الله، وهذا جِدال في الله تعالى.
"مَنْ" في موضع رفع بالابتداء.
والخبر في قوله :"ومِنَ الناسِ".
﴿ ثَانِيَ عِطْفِهِ ﴾ نصب على الحال.
ويتأوّل على معنيين : أحدهما : روي عن ابن عباس أنه قال : هو النضر بن الحارث، لَوَى عنقه مَرَحاً وتعظُّماً.
والمعنى الآخر : وهو قول الفراء أن التقدير : ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ثاني عِطْفه، أي مُعْرِضاً عن الذّكر ؛ ذكره النحاس.
وقال مجاهد وقتادة : لاوِياً عنقه كفراً.
ابن عباس : مُعْرِضاً عما يُدْعَى إليه كفراً.
والمعنى واحد.
وروى الأوزاعيّ عن مَخْلد بن حسين عن هشام بن حسان عن ابن عباس في قوله عز وجل :﴿ ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله ﴾ قال : هو صاحب البدعة.
المبرّد : العِطْف ما انثنى من العنق.
وقال المفضّل : والعطف الجانب ؛ ومنه قولهم : فلان ينظر في أعطافه، أي في جوانبه.
وعِطْفَا الرجل من لَدُنْ رأسه إلى وَرِكَيْه.
وكذلك عِطْفَا كلّ شيء جانباه.
ويقال : ثَنَى فلان عني عِطفه إذا أعرض عنك.