وثانيها : أن نقطع قوله :﴿وَكَثِيرٌ مّنَ الناس﴾ عما قبله ثم فيه ثلاثة أوجه : الأول : أن نقول تقدير الآية : ولله يسجد من في السموات ومن في الأرض ويسجد له كثير من الناس فيكون السجود الأول بمعنى الانقياد والثاني بمعنى الطاعة والعبادة، وإنما فعلنا ذلك لأنه قامت الدلالة على أنه لا يجوز استعمال اللفظ المشترك في معنييه جميعاً.
الثاني : أن يكون قوله :﴿وَكَثِيرٌ مّنَ الناس﴾ مبتدأ وخبره محذوف وهو مثاب لأن خبر مقابله يدل عليه وهو قوله :﴿حَقَّ عَلَيْهِ العذاب﴾، والثالث : أن يبالغ في تكثير المحقوقين بالعذاب فيعطف كثير على كثير ثم يخبر عنهم بحق عليهم العذاب كأنه قيل وكثير من الناس وكثير حق عليهم العذاب وثالثها : أن من يجوز استعمال اللفظ المشترك في مفهوميه جميعاً يقول : المراد بالسجود في حق الأحياء العقلاء العبادة وفي حق الجمادات الانقياد، ومن ينكر ذلك يقول إن الله تعالى تكلم بهذه اللفظة مرتين، فعنى بها في حق العقلاء، الطاعة وفي حق الجمادات الانقياد.
السؤال الثالث : قوله :﴿أنَّ اللَّهِ يَسْجُدُ لهُ مَن فِي السموات الأرض﴾ لفظه لفظ العموم فيدخل فيه الناس فلم قال مرة أخرى ﴿وَكَثِيرٌ مّنَ الناس﴾ الجواب : لو اقتصر على ما تقدم لأوهم أن كل الناس يسجدون كما أن كل الملائكة يسجدون فبين أن كثيراً منهم يسجدون طوعاً دون كثير منهم فإنه يمتنع عن ذلك وهم الذين حق عليهم العذاب.
القول الثاني : في تفسير السجود أن كل ما سوى الله تعالى فهو ممكن لذاته والممكن لذاته لا يترجح وجوده على عدمه إلا عند الانتهاء إلى الواجب لذاته كما قال :