قال الكلبي : نزلت هذه الآية في أعراب كانوا يقدمون على النبي ﷺ بالمدينة مهاجرين من باديتهم فكان أحدهم إذا صح بها جسمه ونتجت فرسه مهراً حسناً وولدت امرأته غلاماً وكثر ماله وماشيته رضي به واطمأن إليه وإن أصابه وجع وولدت امرأته جارية أو أجهضت رماكه (١) وذهب ماله وتأخرت عنه الصدقة أتاه الشيطان وقال له ما جاءتك هذه الشرور إلا بسبب هذا الدين فينقلب عن دينه.
وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير والحسن ومجاهدة وقتادة وثانيها : وهو قول الضحاك نزلت في المؤلفة قلوبهم، منهم عيينة بن بدر والأقرع بن حابس والعباس بن مرداس قال بعضهم لبعض ندخل في دين محمد فإن أصبنا خيراً عرفنا أنه حق، وإن أصبنا غير ذلك عرفنا أنه باطل وثالثها : قال أبو سعيد الخدري :"أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده فقال يا رسول الله أقلني فإني لم أصب من ديني هذا خيراً، ذهب بصري وولدي ومالي.
فقال ﷺ :" إن الإسلام لا يقال، إن الإسلام ليسبك كما تسبك النار خبث الحديد والذهب والفضة "
فنزلت هذه الآية.
وأما قوله :﴿وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقلب على وَجْهِهِ﴾ ففيه سؤالات : الأول : كيف قال :﴿وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقلب على وَجْهِهِ﴾ والخير أيضاً فتنة لأنه امتحان وقال تعالى :﴿وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً﴾ [ الأنبياء : ٣٥ ]، والجواب : مثل هذا كثير في اللغة لأن النعمة بلاء وابتلاء لقوله :﴿فَأَمَّا الإنسان إِذَا مَا ابتلاه رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ﴾ [ الفجر : ١٥ ] ولكن إنما يطلق اسم البلاء على ما يثقل على الطبع، والمنافق ليس عنده الخير إلا الخير الدنيوي، وليس عنده الشر إلا الشر الدنيوي، لأنه لا دين له.
فلذلك وردت الآية على ما يعتقدونه، وإن كان الخير كله فتنة، لكن أكثر ما يستعمل فيما يشتد ويثقل.