أما قوله :﴿الذي جعلناه لِلنَّاسِ سَوَاء العاكف فِيهِ والباد﴾
ففيه مسائل :
المسألة الأولى :
قال أبو علي الفارسي أي جعلناه للناس منسكاً ومتعبداً وقوله :﴿سَوَاء العاكف فِيهِ والباد﴾ رفع على أنه خبر مبتدأ مقدم أي العاكف والباد فيه سواء، وتقدير الآية المسجد الحرام الذي جعلناه للناس منسكاً فالعاكف والبادي فيه سواء وقرأ عاصم ويعقوب ( سواء ) بالنصب بإيقاع الجعل عليه لأن الجعل يتعدى إلى مفعولين، والله أعلم.
المسألة الثانية :
العاكف المقيم به الحاضر.
والبادي الطارىء من البدو وهو النازع إليه من غربته، وقال بعضهم يدخل في العاكف القريب إذا جاور ولزمه للتعبد وإن لم يكن من أهله.
المسألة الثالثة :
اختلفوا في أنهما في أي شيء يستويان قال ابن عباس رضي الله عنهما في بعض الروايات إنهما يستويان في سكنى مكة والنزول بها فليس أحدهما أحق بالمنزل الذي يكون فيه من الآخر إلا أن يكون واحد سبق إلى المنزل وهو قول قتادة وسعيد بن جبير ومن مذهب هؤلاء أن كراء دور مكة وبيعها حرام واحتجوا عليه بالآية.
والخبر، أما الآية فهي هذه قالوا إن أرض مكة لا تملك فإنها لو ملكت لم يستو العاكف فيها والبادي، فلما استويا ثبت أن سبيله سبيل المساجد، وأما الخبر فقوله عليه السلام :
" مكة مباح لمن سبق إليها " وهذا مذهب ابن عمر وعمر بن عبد العزيز ومذهب أبي حنيفة وإسحق الحنظلي رضي الله عنهم وعلى هذا المراد بالمسجد الحرام الحرم كله لأن إطلاق لفظ المسجد الحرام والمراد منه البلد جائز بدليل قوله تعالى :﴿سُبْحَانَ الذى أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مّنَ المسجد الحرام﴾ [ الإسراء : ١ ] وههنا قد دل الدليل وهو قوله :﴿العاكف﴾ لأن المراد منه المقيم إقامة، وإقامته لا تكون في المسجد بل في المنازل فيجب أن يقال ذكر المسجد وأراد مكة.