القول الثاني : المراد جعل الله الناس في العبادة في المسجد سواء ليس للمقيم أن يمنع البادي وبالعكس قال عليه السلام :" يا بني عبد مناف من ولي منكم من أمور الناس شيئاً فلا يمنعن أحداً طاف بهذا البيت أو صلى أية ساعة من ليل أو نهار " وهذا قول الحسن ومجاهد وقول من أجاز بيع دور مكة.
وقد جرت مناظرة بين الشافعي وإسحق الحنظلي بمكة وكان إسحق لا يرخص في كراء بيوت مكة، واحتج الشافعي رحمه الله بقوله تعالى :﴿الذين أُخْرِجُواْ مِن ديارهم بِغَيْرِ حَقّ﴾ [ الحج : ٤٠ ] فأضيفت الدار إلى مالكها وإلى غير مالكها، وقال عليه السلام يوم فتح مكة :﴿من أغلق بابه فهو آمن﴾ وقال ﷺ :" هل ترك لنا عقيل من ربع " وقد اشترى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما دار السجن، أترى أنه اشتراها من مالكها أو من غير مالكها ؟ قال إسحق : فلما علمت أن الحجة قد لزمتني تركت قولي.
أما الذي قالوه من حمل لفظ المسجد على مكة بقرينة قوله العاكف، فضعيف لأن العاكف قد يراد به الملازم للمسجد المعتكف فيه على الدوام، أو في الأكثر فلا يلزم ما ذكروه، ويحتمل أن يراد بالعاكف المجاور للمسجد المتمكن في كل وقت من التعبد فيه فلا وجه لصرف الكلام عن ظاهره مع هذه الاحتمالات.
أما قوله :﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾
ففيه مسائل :
المسألة الأولى :
قرىء ﴿يُرِدْ﴾ بفتح الياء من الورود، ومعناه من أتى فيه بإلحاد وعن الحسن ومن يرد إلحاده بظلم، والمعنى ومن يرد إيقاع إلحاد فيه، فالإضافة صحيحة على الاتساع في الظرف كمكر الليل والنهار، ومعناه ومن يرد أن يلحد فيه ظالماً.
المسألة الثانية :
الإلحاد العدول عن القصد وأصله إلحاد الحافر، وذكر المفسرون في تفسير الإلحاد وجوهاً : أحدها : أنه الشرك، يعني من لجأ إلى حرم الله ليشرك به عذبه الله تعالى، وهو إحدى الروايات عن ابن عباس وقول عطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وقتادة ومقاتل.


الصفحة التالية
Icon