قَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَمْ يَتَأَوَّلْ هَؤُلَاءِ السَّلَفُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ عَلَى الْحَرَمِ كُلِّهِ إلَّا وَالِاسْمُ شَامِلٌ لَهُ مِنْ طَرِيقِ الشَّرْعِ، إذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَتَأَوَّلَ الْآيَةَ عَلَى مَعْنًى لَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا وُقُوعَ اسْمِ الْمَسْجِدِ عَلَى الْحَرَمِ مِنْ طَرِيقِ التَّوْقِيفِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى :﴿ إلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ وَالْمُرَادُ فِيمَا رُوِيَ : الْحُدَيْبِيَةُ، وَهِيَ بَعِيدَةٌ مِنْ الْمَسْجِدِ قَرِيبَةٌ مِنْ الْحَرَمِ، وَرُوِيَ أَنَّهَا عَلَى شَفِيرِ الْحَرَمِ.
وَرَوَى الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ :" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَضْرِبُهُ فِي الْحِلِّ وَمُصَلَّاهُ فِي الْحَرَمِ " وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ هَهُنَا الْحَرَمَ كُلَّهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى :﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ﴾ وَالْمُرَادُ إخْرَاجُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ مَكَّةَ حِينَ هَاجَرُوا إلَى الْمَدِينَةِ، فَجَعَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ عِبَارَةً عَنْ الْحَرَمِ.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ جَمِيعُ الْحَرَمِ كُلِّهِ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ انْتَهَكَ حُرْمَةَ الْحَرَمِ بِالظُّلْمِ فِيهِ.