وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار ﴾
لمّا ذكر أحد الخصمين وهو الكافر ذكر حال الخصم الآخر وهو المؤمن.
﴿ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ ﴾ "مِن" صِلة.
والأساور جمع أَسْوِرة، وأسورة واحدها سِوار ؛ وفيه ثلاث لغات : ضم السين وكسرها وإسوار.
قال المفسرون : لما كانت الملوك تلبَس في الدنيا الأساور والتِّيجان جعل الله ذلك لأهل الجنة، وليس أحد من أهل الجنة إلا وفي يده ثلاثة أسورة : سوار من ذهب، وسوار من فضة، وسوار من لؤلؤ.
قال هنا وفي فاطر :﴿ مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً ﴾ [ فاطر : ٣٣ ] وقال في سورة الإنسان :﴿ وحلوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ ﴾ [ الإنسان : ٢١ ].
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة سمعت خليلي ﷺ يقول :" تبلغ الحِلْية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء " وقيل : تُحَلَّى النساء بالذهب والرجال بالفضة.
وفيه نظر، والقرآن يرده.
﴿ وَلُؤْلُؤاً ﴾ قرأ نافع وابن القَعْقاع وشيبة وعاصم هنا وفي سورة الملائكة "لؤلؤًا" بالنصب، على معنى ويُحَلَّون لؤلؤاً ؛ واستدلوا بأنها مكتوبة في جميع المصاحف هنا بألف.
وكذلك قرأ يعقوب والجَحْدَرِيّ وعيسى بن عمر بالنصب هنا والخفض في "فاطر" اتباعاً للمصحف، ولأنها كتبت هاهنا بألف وهناك بغير ألف.
الباقون بالخفض في الموضعين.
وكان أبو بكر لا يهمز "اللؤلؤ" في كل القرآن ؛ وهو ما يستخرج من البحر من جوف الصَّدَف.
قال القُشيرِيّ : والمراد ترصيع السوار باللؤلؤ ؛ ولا يبعد أن يكون في الجنة سوار من لؤلؤ مُصْمَت.
قلت : وهو ظاهر القرآن بل نصّه.
وقال ابن الأنباري : من قرأ "لؤلؤٍ" بالخفض وقف عليه ولم يقف على الذهب.
وقال السِّجِستانِيّ : من نصب "اللؤلؤ" فالوقف الكافي "من ذهب" ؛ لأن المعنى ويحلون لؤلؤ.


الصفحة التالية
Icon