وما رواه الأئمة من حديث ابن عمر عن النبيّ ﷺ :" من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حُرِمها في الآخرة " والأصل التمسك بالظاهر حتى يرد نصّ يدفعه ؛ بل قد ورد نصّ على صحة ما ذكرناه، وهو ما رواه أبو داود الطيالسيّ في مسنده : حدّثنا هشام عن قتادة عن داود السرّاج عن أبي سعيد الخُدْرِيّ قال : قال رسول الله ﷺ :" من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه هو " وهذا نص صريح وإسناده صحيح.
فإن كان "وإن دخل الجنة لبسه أهلُ الجنة ولم يلبسه هو" من قول النبيّ ﷺ فهو الغاية في البيان، وإن كان من كلام الراوي على ما ذكر فهو أعلم بالمقال وأقعد بالحال، ومثله لا يقال بالرأي، والله أعلم.
وكذلك "من شرب الخمر ولم يتب".
و"من استعمل آنية الذهب والفضة" وكما لا يشتهي منزلة من هو أرفع منه، وليس ذلك بعقوبة، كذلك لا يشتهي خمر الجنة ولا حريرها ولا يكون ذلك عقوبة.
وقد ذكرنا هذا كله في كتاب التذكرة مستوفى، والحمد لله، وذكرنا فيها أن شجر الجنة وثمارَها يتّفتق عن ثياب الجنة، وقد ذكرناه في سورة الكهف.
قوله تعالى :﴿ وهدوا إِلَى الطيب مِنَ القول ﴾ أي أُرشِدوا إلى ذلك.
قال ابن عباس : يريد لا إله إلا الله والحمد لله.
وقيل : القرآن، ثم قيل : هذا في الدنيا، هُدُوا إلى الشهادة، وقراءة القرآن.
﴿ وهدوا إلى صِرَاطِ الحميد ﴾ أي إلى صراط الله.
وصراط الله : دينه وهو الإسلام.
وقيل : هُدُوا في الآخرة إلى الطيِّب من القول، وهو الحمد لله ؛ لأنهم يقولون غداً الحمد لله الذي هدانا لهذا، الحمد لله الذي أذهب عنا الحَزَن ؛ فليس في الجنة لَغْوٌ ولا كذب فما يقولونه فهو طيب القول.
وقد هُدُوا في الجنة إلى صراط الله، إذ ليس في الجنة شيء من مخالفة أمر الله.
وقيل : الطيب من القول ما يأتيهم من الله من البِشارات الحسنة ﴿ وهدوا إلى صِرَاطِ الحميد ﴾ أي إلى طريق الجنة. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ١٢ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon