وقرىء :" قُطّعَتْ " بالتخفيف، ثم قال سبحانه :﴿ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحميم ﴾ والحميم هو : الماء الحار المغلي بنار جهنم، والجملة مستأنفة أو هي خبر ثانٍ للموصول ﴿ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِى بُطُونِهِمْ ﴾ الصهر : الإذابة، والصهارة : ما ذاب منه، يقال : صهرت الشيء فانصهر، أي أذبته فذاب فهو صهير، والمعنى : أنه يذاب بذلك الحميم ما في بطونهم من الأمعاء والأحشاء ﴿ والجلود ﴾ معطوفة على ما، أي ويصهر به الجلود والجملة في محل نصب على الحال.
وقيل : إن الجلود لا تذاب، بل تحرق، فيقدّر فعل يناسب ذلك، ويقال : وتحرق به الجلود كما في قول الشاعر :
علفتها تبناً وماءً بارداً... أي وسقيتها ماء، ولا يخفى أنه لا ملجىء لهذا، فإن الحميم إذا كان يذيب ما في البطون فإذابته للجلد الظاهر بالأولى.
﴿ وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ﴾ : المقامع جمع مقمعة ومقمع، قمعته : ضربته بالمقمعة، وهي قطعة من حديد.
والمعنى : لهم مقامع من حديد يضربون بها، أي للكفرة، وسميت المقامع مقامع ؛ لأنها تقمع المضروب، أي تذلله.
قال ابن السكيت : أقمعت الرجل عني إقماعاً : إذا اطلع عليك فرددته عنك ﴿ كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا ﴾ أي من النار ﴿ أُعِيدُواْ فِيهَا ﴾ أي في النار بالضرب بالمقامع، و﴿ مِنْ غَمّ ﴾ بدل من الضمير في منها بإعادة الجارّ أو مفعول له، أي لأجل غمّ شديد من غموم النار ﴿ وَذُوقُواْ عَذَابَ الحريق ﴾ هو بتقدير القول، أي أعيدوا فيها ؛ وقيل لهم : ذوقوا عذاب الحريق، أي العذاب المحرق، وأصل الحريق الاسم من الاحتراق، تحرق الشيء بالنار واحترق حرقة واحتراقاً، والذوق مماسة يحصل معها إدراك الطعم، وهو هنا توسع، والمراد به إدراك الألم.
قال الزجاج : وهذا لأحد الخصمين.


الصفحة التالية
Icon