وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً ﴾
لما ذكر تعالى الذبائح بيّن أنه لم يُخْل منها أمة، والأمة القوم المجتمعون على مذهب واحد ؛ أي ولكل جماعة مؤمنة جعلنا منسكاً.
والمنسك الذبح وإراقة الدم ؛ قاله مجاهد.
يقال : نَسَك إذا ذبح يَنْسُك نَسْكاً.
والذبيحة نسيكة، وجمعها نُسُك ؛ ومنه قوله تعالى :﴿ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ﴾ [ البقرة : ١٩٦ ].
والنسك أيضاً الطاعة.
وقال الأزهريّ في قوله تعالى :﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً ﴾ : إنه يدل على موضع النحر في هذا الموضع، أراد مكَان نَسْك.
ويقال : مَنْسَك ومَنْسِك، لغتان، وقرىء بهما.
قرأ الكوفيون إلا عاصماً بكسر السين، الباقون بفتحها.
وقال الفراء : المَنْسَك في كلام العرب الموضع المعتاد في خير أو شر.
وقيل مناسك الحج لترداد الناس إليها من الوقوف بعرفة ورمي الجمار والسعي.
وقال ابن عرفة في قوله :﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً ﴾ : أي مذهباً من طاعة الله تعالى ؛ يقال : نَسَك نَسْك قومه إذا سلك مذهبهم.
وقيل : منسكاً عيداً ؛ قاله الفرّاء.
وقيل حجًّا ؛ قاله قتادة.
والقول الأول أظهر ؛ لقوله تعالى :﴿ لِّيَذْكُرُواْ اسم الله على مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأنعام ﴾ أي على ذبح ما رزقهم.
فأمر تعالى عند الذبح بذكره وأن يكون الذبح له ؛ لأنه رازق ذلك.
ثم رجع اللفظ من الخبر عن الأمم إلى إخبار الحاضرين بما معناه : فالإله واحد لجميعكم، فكذلك الأمر في الذبيحة إنما ينبغي أن تخلص له.
قوله تعالى :﴿ فَلَهُ أَسْلِمُواْ ﴾ معناه لحقّه ولوجهه وإنعامه آمنوا وأسلِموا.
ويحتمل أن يريد الاستسلام ؛ أي له أطيعوا وانقادوا.
قوله تعالى :﴿ وَبَشِّرِ المخبتين ﴾ المخبِت : المتواضع الخاشع من المؤمنين.
والخَبْت ما انخفض من الأرض ؛ أي بشرهم بالثواب الجزيل.