أما قوله تعالى :﴿وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ﴾ فقال بعضهم من ينصره بتلقى الجهاد بالقبول نصرة لدين الله تعالى، وقال آخرون : بل المراد من يقوم بسائر دينه، وإنما قالوا ذلك لأن نصرة الله على الحقيقة لا تصح، وإنما المراد من نصرة الله نصرة دينه كما يقال في ولاية الله وعداوته مثل ذلك وفي قوله :﴿وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ﴾ وعد بالنصر لمن هذه حاله ونصر الله تعالى للعبد أن يقويه على أعدائه حتى يكون هو الظافر ويكون قائماً بإيضاح الأدلة والبينات، ويكون بالإعانة على المعارف والطاعات، وفيه ترغيب في الجهاد من حيث وعدهم النصر، ثم بين تعالى أنه قوي على هذه النصرة التي وعدها المؤمنين، وأنه لا يجوز عليه المنع وهو معنى قوله ﴿عَزِيزٌ﴾ لأن العزيز هو الذي لا يضام ولا يمنع مما يريده.
ثم إنه سبحانه وتعالى وصف الذين أذن لهم في القتال في الآية الأولى فقال :﴿الذين إِنْ مكناهم فِى الأرض﴾ والمراد من هذا التمكن السلطنة ونفاذ القول على الخلق لأن المتبادر إلى الفهم من قوله :﴿مكناهم فِى الأرض﴾ ليس إلا هذا، ولأنا لو حملناه على أصل القدرة لكان كل العباد كذلك وحينئذ يبطل ترتب الأمور الأربعة المذكورة عليه في معرض الجزاء، لأنه ليس كل من كان قادراً على الفعل أتى بهذه الأشياء.
إذا ثبت هذا فنقول : المراد بذلك هم المهاجرون لأن قوله :﴿الذين إِنْ مكناهم﴾ صفة لمن تقدم وهو قوله :﴿الذين أُخْرِجُواْ مِن ديارهم﴾ والأنصار ما أخرجوا من ديارهم فيصير معنى الآية أن الله تعالى وصف المهاجرين بأنه إن مكنهم من الأرض وأعطاهم السلطنة، فإنهم أتوا بالأمور الأربعة، وهي إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن قد ثبت أن الله تعالى مكن الأئمة الأربعة من الأرض وأعطاهم السلطنة عليها فوجب كونهم آتين بهذه الأمور الأربعة.