اختلفوا في معنى قوله :﴿وَإِنَّ الله لَهُوَ خَيْرُ الرازقين﴾ مع العلم بأن كل الرزق من عنده على وجوه : أحدها : التفاوت إنما كان بسبب أنه سبحانه مختص بأن يرزق ما لا يقدر عليه غيره وثانيها : أن يكون المراد أنه الأصل في الرزق، وغيره إنما يرزق بما تقدم من الرزق من جهة الله تعالى وثالثها : أن غيره ينقل الرزق من يده إلى يد غيره لا أنه يفعل نفس الرزق ورابعها : أن غيره إذا رزق فإنما يرزق لانتفاعه به، إما لأجل أن يخرج عن الواجب، وإما لأجل أن يستحق به حمداً أو ثناء، وإما لأجل دفع الرقة الجنسية، فكان الواحد منا إذا رزق فقد طلب العوض، أما الحق سبحانه فإن كماله صفة ذاتية له فلا يستفيد من شيء كمالاً زائداً فكان الرزق الصادر منه لمحض الإحسان وخامسها : أن غيره إنما يرزق لو حصل في قلبه إرادة ذلك الفعل، وتلك الإرادة من الله، فالرازق في الحقيقة هو الله تعالى وسادسها : أن المرزوق يكون تحت منة الرازق ومنة الله تعالى أسهل تحملاً من منة الغير، فكان هو خير الرازقين وسابعها : أن الغير إذا رزق فلولا أن الله تعالى أعطى ذلك الإنسان أنواع الحواس وأعطاه السلامة والصحة والقدرة على الانتفاع بذلك الرزق لما أمكنه الانتفاع به، ورزق الغير لا بد وأن يكون مسبوقاً برزق الله وملحوقاً به حتى يحصل الانتفاع.
وأما رزق الله تعالى فإنه لا حاجة به إلى رزق غيره، فثبت أنه سبحانه خير الرازقين.
المسألة الرابعة :
قالت المعتزلة الآية تدل على أمور ثلاثة : أحدها : أن الله تعالى قادر وثانيها : أن غير الله يصح منه أن يرزق ويملك، ولولا كونه قادراً فاعلاً لما صح ذلك وثالثها : أن الرزق لا يكون إلا حلالاً لأن قوله ﴿خَيْرُ الرازقين﴾ دلالة على كونهم ممدوحين والجواب : لا نزاع في كون العبد قادراً، فإن عندنا القدرة مع الداعي مؤثرة في الفعل بمعنى الاستلزام.
وأما الثالث فبحث لفظي وقد سبق الكلام فيه.
المسألة الخامسة :


الصفحة التالية
Icon