لما قال تعالى :﴿ثُمَّ قُتِلُواْ أَوْ مَاتُواْ﴾ فسوى بينهما في الوعد، ظن قوم أن حال المقتول في الجهاد والميت على فراشه سواء، وهذا إن أخذوه من الظاهر فلا دلالة فيه، لأن الجمع بينهما في الوعد لا يدل على تفضيل ولا تسوية، كما أن الجمع بين المؤمنين لا يدل على ذلك.
وإن أخذوه من دليل آخر فهو حق، فإنه روى أنس أن النبي ﷺ قال :" المقتول في سبيل الله تعالى، والمتوفى في سبيل الله بغير قتل، هما في الخير والأجر شريكان " ولفظ الشركة مشعر بالتسوية، وإلا فلا يبقى لتخصيصهما بالذكر فائدة.
وروى أيضاً : أن طوائف من أصحاب النبي ﷺ قالوا يا رسول الله هؤلاء الذين قتلوا قد علمنا ما أعطاهم الله من الخير، ونحن نجاهد معك كما جاهدوا، فما لنا إن متنا معك.
فأنزل الله تعالى هاتين الآيتين وهذا يدل على التسوية لأنهم لما طلبوا مقدار الأجر، فلولا التسوية لم يكن الجواب مفيداً.
أما المسكن فقوله تعالى :﴿لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ الله لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
قرىء مدخلاً بضم الميم وهو من الإدخال، ومن قرأ بالفتح فالمراد الموضع.
المسألة الثانية :
قيل في المدخل الذي يرضونه إنه خيمة من درة بيضاء لا فصم فيها ولا وصم لها سبعون ألف مصراع، وقال أبو القاسم القشيري هو أن يدخلهم الجنة من غير مكروه تقدم، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : إنما قال يرضونه، لأنهم يرون في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر فيرضونه ولا يبغون عنها حولاً، ونظيره قوله تعالى :
﴿ومساكن تَرْضَوْنَهَا﴾ [ التوبة : ٢٤ ] وقوله :﴿فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ﴾ [ الحاقة : ٢١ ] وقوله :﴿ارجعي إلى رَبّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً﴾ [ الفجر : ٢٨ ] وقوله :﴿ومساكن طَيّبَةً فِى جَنَّاتِ عَدْنٍ ورضوان مّنَ الله أَكْبَرُ﴾ [ التوبة : ٧٢ ].
المسألة الثالثة :