فصل
قال الفخر :
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً ﴾
اعلم أنه تعالى لما دل على قدرته من قبل بما ذكره من ولوج الليل في النهار ونبه به على نعمه، أتبعه بأنواع أخر من الدلائل على قدرته ونعمته وهي ستة.
أولها : قوله تعالى :﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السماء مَاء فَتُصْبِحُ الأرض مُخْضَرَّةً إِنَّ الله لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
ذكروا في قوله :﴿أَلَمْ تَرَ﴾ وجوهاً ثلاثة : أحدها : أن المراد هو الرؤية الحقيقية، قالوا لأن الماء النازل من السماء يرى بالعين واخضرار النبات على الأرض مرئي، وإذا أمكن حمل الكلام على حقيقته فهو أولى وثانيها : أن المراد ألم تخبر على سبيل الاستفهام وثالثها : المراد ألم تعلم والقول الأول ضعيف لأن الماء وإن كان مرئياً إلا أن كون الله منزلاً له من السماء غير مرئي إذا ثبت هذا وجب حمله على العلم، لأن المقصود من تلك الرؤية هو العلم، لأن الرؤية إذا لم يقترن بها العلم كانت كأنها لم تحصل.
المسألة الثانية :
قرىء ﴿مُخْضَرَّةً﴾ كمبقلة ومسبعة أي ذات خضرة، وههنا سؤالات :
السؤال الأول : لم قال :﴿فَتُصْبِحُ الأرض﴾ ولم يقل فأصبحت ؟ الجواب : لنكتة فيه وهي إفادة بقاء أثر المطر زماناً بعد زمان، كما تقول أنعم على فلان عام كذا فأروح وأغد شاكراً له، ولو قلت فرحت وغدوت لم يقع ذلك الموقع.
السؤال الثاني : لم رفع ولم ينصب جواباً للاستفهام ؟ والجواب : لو نصب لأعطى عكس ما هو الغرض، لأن معناه إثبات الإخضرار فينقلب بالنصب إلى نفي الإخضرار مثاله أن تقول لصاحبك ألم تر أني أنعمت عليك فتشكر.
وإن نصبته فأنت ناف لشكره شاك لتفريطه، وإن رفعته فأنت مثبت للشكر.
السؤال الثالث : لم أورد تعالى ذلك دلالة على قدرته على الإعادة، كما قال أبو مسلم.