فصل


قال الفخر :
﴿ لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ ﴾
اعلم أنه تعالى لما قدم ذكر نعمه وبين أنه رؤوف رحيم بعباده وإن كان منهم من يكفر ولا يشكر، أتبعه بذكر نعمه بما كلف فقال :﴿لّكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
إنما حذف الواو في قوله :﴿لِكُلّ أُمَّةٍ﴾ لأنه لا تعلق لهذا الكلام بما قبله فلا جرم حذف العاطف.
المسألة الثانية :
في المنسك أقوال : أحدها : قال ابن عباس عيداً يذبحون فيه وثانيها : قرباناً ولفظ المنسك مختص بالذبائح عن مجاهد وثالثها : مألفاً يألفونه إما مكاناً معيناً أو زماناً معيناً لأداء الطاعات ورابعها : المنسك هو الشريعة والمنهاج وهو قول ابن عباس في رواية عطاء واختيار القفال وهو الأقرب لقوله تعالى :﴿لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً ومنهاجا﴾ [ المائدة : ٤٨ ] ولأن المنسك مأخوذ من النسك وهو العبادة، وإذا وقع الاسم على كل عبادة فلا وجه للتخصيص.
فإن قيل هلا حملتموه على الذبح، لأن المنسك في العرف لا يفهم منه إلا الذبح ؟ وهلا حملتموه على موضع العبادة أو على وقتها ؟ الجواب : عن الأول لا نسلم أن المنسك في العرف مخصوص بالذبح، والدليل عليه أن سائر ما يفعل في الحج يوصف بأنه مناسك ولأجله قال عليه السلام :" خذوا عني مناسككم " وعن الثاني : أن قوله :﴿هُمْ نَاسِكُوهُ﴾ أليق بالعبادة منه بالوقت والمكان.
المسألة الثالثة :
زعم قوم أن المراد من قوله :﴿هُمْ نَاسِكُوهُ﴾ من كان في زمن الرسول ﷺ متمسكاً بشرع كاليهود والنصارى، ولا يمتنع أن يريد كل من تعبد من الأمم سواء بقيت آثارهم أو لم تبق، لأن قوله :﴿هُمْ نَاسِكُوهُ﴾ كالوصف للأمم وإن لم يعبدوا في الحال.


الصفحة التالية
Icon