أما في الآية التي معنا، فالكلام عن الملائكة الذين لهم صلة بالإنسان أمثال جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل، والحفظة الكاتبين والمكلفين بحفظ الإنسان، فالله تعالى يصطفي هؤلاء، أما الباقون منهم فالله مصطفيهم لعبادته فهم مُهيِّمون لا يدرون عن هذا الخلق شيئاً، وهم الملائكة العالون الذين قال الله عنهم في الحديث عن إبليس :﴿ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ العالين ﴾ [ ص : ٧٥ ] يعني : الذين لم يشملهم الأمر بالسجود ؛ لأن لهم مهمة أخرى.
ثم يقول تعالى :﴿ إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [ الحج : ٧٥ ] السمع يتعلق بالأصوات، والبصر يتعلق بالأفعال، وهما كما قلنا عُمْدة الحواسِّ كلها، والحق سبحانه في قوله :﴿ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [ الحج : ٧٥ ] يُبيّن لنا أن رسله سيُوَاجَهُون بأقوال تؤذيهم واستهزاء، وسيُقَابلون بأفعال تعرقل مسيرة دعوتهم، فليكُنْ هذا معلوماً حتى لا يفُتّ في عَضُدهم، وأنا معهم سميع لما يُقال، بَصير بما يفعل، فهُمْ تحت سمعي وبصري وكلاءتي.
﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٧٦) ﴾
﴿ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ﴾ [ الحج : ٧٦ ] ما أمامهم، ويعلم أيضاً ما خلفهم، فليعمل الإنسان ما يشاء، فعِلْم الله محيط به.
﴿ وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور ﴾ [ الحج : ٧٦ ] فالمرجع في النهاية إليه سبحانه، فالحق - تبارك وتعالى - لم يخلق خَلْقه ليتركهم هَمَلاً، إنما خلقهم لحكمة، وجعل لهم نهاية يُجازَي فيها كُلٌّ بعمله، فمَن تعب ونصب في سبيل دعوة الله وتحمّل المشاقّ في مساندة رسل الله فله جزاؤه، ومَنْ جابههم وعاندهم سواء بالأقوال السَّابّة الشاتمة المستهزئة، أو بالأفعال التي تعوق دعوتهم، فله أيضاً ما يستحق من العقاب.


الصفحة التالية
Icon