فصل


قال الفخر :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا ﴾
اعلم أنه سبحانه لما تكلم في الإلهيات ثم في النبوات أتبعه بالكلام في الشرائع وهو من أربع أوجه أولها : تعيين المأمور وثانيها : أقسام المأمور به وثالثها : ذكر ما يوجب قبول تلك الأوامر ورابعها : تأكيد ذلك التكليف.
أما النوع الأول : وهو تعيين المأمور فهو قوله تعالى :﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ وفيه قولان : أحدهما : المراد منه كل المكلفين سواء كان مؤمناً أو كافراً، لأن التكليف بهذه الأشياء عام في كل المكلفين فلا معنى لتخصيص المؤمنين بذلك والثاني : أن المراد بذلك المؤمنون فقط أما أولاً : فلأن اللفظ صريح فيه، وأما ثانياً : فلأن قوله بعد ذلك ﴿هُوَ اجتباكم﴾ وقوله :﴿هُوَ سماكم المسلمين﴾ وقوله :﴿وَتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى الناس﴾ كل ذلك لا يليق إلا بالمؤمنين.
أقصى ما في الباب أن يقال لما كان ذلك واجباً على الكل فأي فائدة في تخصيص المؤمنين ؟ لكنا نقول تخصيصهم بالذكر لا يدل على نفي ذلك عما عداهم بل قد دلت هذه الآية على كونهم على التخصيص مأمورين بهذه الأشياء ودلت سائر الآيات على كون الكل مأمورين بها.
ويمكن أن يقال فائدة التخصيص أنه لما جاء الخطاب العام مرة بعد أخرى ثم إنه ما قبله إلا المؤمنون خصهم الله تعالى بهذا الخطاب ليكون ذلك كالتحريض لهم على المواظبة على قبوله وكالتشريف لهم في ذلك الإقرار والتخصيص.


الصفحة التالية
Icon