ولما رجع رسول الله ﷺ من غزوة تبوك قال :" رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر " والأولى أن يحمل ذلك على كل التكاليف، فكل ما أمر به ونهى عنه فالمحافظة عليه جهاد.
السؤال الثالث : هل يصح ما نقل عن مقاتل والكلبي أن هذه الآية منسوخة بقوله :
﴿فاتقوا الله مَا استطعتم﴾ [ التغابن : ١٦ ] كما أن قوله :﴿اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ [ آل عمران : ١٠٢ ] منسوخ بذلك ؟ الجواب : هذا بعيد لأن التكليف مشروط بالقدرة لقوله تعالى :﴿لاَ يُكَلّفُ الِلَّهِ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [ البقرة : ٢٨٦ ] فكيف يقول الله وجاهدوا في الله على وجه لا تقدرون عليه، وكيف وقد كان الجهاد في الأول مضيقاً حتى لا يصح أن يفر الواحد من عشرة، ثم خففه الله بقوله :﴿الآن خَفَّفَ الله عَنكُمْ﴾ [ الأنفال : ٦٦ ] أفيجوز مع ذلك أن يوجبه على وجه لا يطاق حتى يقال إنه منسوخ.
النوع الثالث : بيان ما يوجب قبول هذه الأوامر وهو ثلاثة : الأول : قوله :﴿هُوَ اجتباكم﴾ ومعناه أن التكليف تشريف من الله تعالى للعبد، فلما خصكم بهذا التشريف فقد خصكم بأعظم التشريفات واختاركم لخدمته والاشتغال بطاعته، فأي رتبة أعلى من هذا، وأي سعادة فوق هذا، ويحتمل في اجتباكم خصكم بالهداية والمعونة والتيسير.
أما قوله تعالى :﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى الدين مِنْ حَرَجٍ﴾ فهو كالجواب عن سؤال يذكر وهو أن التكليف وإن كان تشريفاً واجباً كما ذكرتم لكنه شاق شديد على النفس ؟ فأجاب الله تعالى عنه بقوله :﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى الدين مِنْ حَرَجٍ﴾ روي أن أبا هريرة رضي الله عنه قال كيف قال الله تعالى :﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى الدين مِنْ حَرَجٍ﴾ مع أنه منعنا عن الزنا والسرقة ؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما : بلى ولكن الإصر الذي كان على بني إسرائيل وضع عنكم، وههنا سؤالات :


الصفحة التالية
Icon