الموجب الثاني : لقبول التكليف قوله :﴿مّلَّةَ أَبِيكُمْ إبراهيم هُوَ سماكم المسلمين مِن قَبْلُ﴾ وفي نصب الملة وجهان : أحدهما : وهو قول الفراء أنها منصوبة بمضمون ما تقدمها كأنه قيل وسع دينكم توسعة ملة أبيكم إبراهيم، ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه والثاني : أن يكون منصوباً على المدح والتعظيم أي أعني بالدين ملة أبيكم إبراهيم، واعلم أن المقصود من ذكره التنبيه على أن هذه التكاليف والشرائع هي شريعة إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
والعرب كانوا محبين لإبراهيم عليه السلام لأنهم من أولاده، فكان التنبيه على ذلك كالسبب لصيروتهم منقادين لقبول هذا الدين وههنا سؤالات :
السؤال الأول : لم قال :﴿مّلَّةَ أَبِيكُمْ إبراهيم﴾ ولم يدخل في الخطاب المؤمنون الذين كانوا في زمن الرسول ﷺ ولم يكن من ولده ؟
والجواب : من وجهين :
أحدهما : لما كان أكثرهم من ولده كالرسول ورهطه وجميع العرب جاز ذلك وثانيهما : وهو قول الحسن أن الله تعالى جعل حرمة إبراهيم عليه السلام على المسلمين كحرمة الوالد على ولده، ومنه قوله تعالى ﴿النبى أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [ الأحزاب : ٦ ] فجعل حرمته كحرمة الوالد على الولد، وحرمة نسائه كحرمة الوالدة على ما قال تعالى :﴿وأزواجه أمهاتهم﴾ [ الأحزاب : ٦ ].
السؤال الثاني : هذا يقتضي أن تكون ملة محمد كملة إبراهيم عليهما السلام سواء، فيكون الرسول ليس له شرع مخصوص ويؤكده قوله تعالى :﴿أَنِ اتبع مِلَّةَ إبراهيم﴾ [ النحل : ١٢٣ ]،
الجواب : هذا الكلام إنما وقع مع عبدة الأوثان، فكأنه تعالى قال : عبادة الله وترك الأوثان هي ملة إبراهيم فأما تفاصيل الشرائع فلا تعلق لها بهذا الموضع.