السؤال الثالث : ما معنى قوله تعالى :﴿هُوَ سماكم المسلمين مِن قَبْلُ﴾ ؟
الجواب : فيه قولان : أحدهما : أن الكناية راجعة إلى إبراهيم عليه السلام (١)، فإن لكل نبي دعوة مستجابة وهو قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام :﴿رَبَّنَا واجعلنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ﴾ [ البقرة : ١٢٨ ] فاستجاب الله تعالى له فجعلها أمة محمد ﷺ، وروي أنه عليه الصلاة والسلام أخبر بأن الله تعالى سيبعث محمداً بمثل ملته وأنه ستسمى أمته بالمسلمين والثاني : أن الكناية راجعة إلى الله تعالى في قوله :﴿هُوَ اجتباكم﴾ فروى عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال :"إن الله سماكم المسلمين من قبل" أي في كل الكتب، وفي هذا أي في القرآن.
وهذا الوجه أقرب لأنه تعالى قال :﴿لِيَكُونَ الرسول شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى الناس﴾ فبين أنه سماهم بذلك لهذا الغرض وهذا لا يليق إلا بالله، ويدل عليه أيضاً قراءة أبي بن كعب ﴿الله سماكم﴾ والمعنى أنه سبحانه في سائر الكتب المتقدمة على القرآن، وفي القرآن أيضاً بين فضلكم على الأمم وسماكم بهذا الاسم الأكرم، لأجل الشهادة المذكورة.
فلما خصكم الله بهذه الكرامة فاعبدوه ولا تردوا تكاليفه.
وهذا هو العلة الثالثة : الموجبة لقبول التكليف، وأما الكلام في أنه كيف يكون الرسول شهيداً علينا، وكيف تكون أمته شهداء على الناس ؟ فقد تقدم في سورة البقرة، وبينا أنه أخذ منه ما يدل على أن الإجماع حجة.
قال الشيخ : أكثر الناس يقولون : الضمير يعود على إبراهيم ـ عليه السلام ـ
والصواب أنه يعود على الله ـ تعالى ـ لأن الله تعالى قال فى أول الآية ﴿ هُوَ اجْتَبَاكُمْ ﴾ وقال ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ﴾ ولأن الإسلام موجود قبل إبراهيم ـ عليه السلام ـ قال تعالى على لسان نوح ـ عليه السلام ـ فى سورة يونس ﴿ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٧٢) ﴾
ثم قال الشيخ : بلغ عنى هذا الكلام، وكان المجلس من المجالس النادرة فى حياتى.