فأما الشوط الثاني فينتقل من دلائل الإيمان في الأنفس والآفاق إلى حقيقة الإيمان. حقيقته الواحدة التي توافق عليها الرسل دون استثناء: (يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره).. قالها نوح - عليه السلام - وقالها كل من جاء بعده من الرسل، حتى انتهت إلى محمد ( ﷺ ) وكان اعتراض المكذبين دائما: (ما هذا إلا بشر مثلكم !).. (ولو شاء الله لأنزل ملائكة).. وكان اعتراضهم كذلك:(أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون ؟).. وكانت العاقبة دائما أن يلجأ الرسل إلى ربهم يطلبون نصره، وأن يستجيب الله لرسله، فيهلك المكذبين.. وينتهي الشوط بنداء للرسل جميعا:(يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا، إني بما تعملون عليم، وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون).
والشوط الثالث يتحدث عن تفرق الناس - بعد الرسل - وتنازعهم حول تلك الحقيقة الواحدة. التي جاءوا بها:(فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا، كل حزب بما لديهم فرحون). وعن غفلتهم عن ابتلاء الله لهم بالنعمة، واغترارهم بما هم فيه من متاع. بينما المؤمنون مشفقون من خشية ربهم، يعبدونه ولا يشركون به، وهم مع ذلك دائمو الخوف والحذر (وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون).. وهنا يرسم مشهدا لأولئك الغافلين المغرورين يوم يأخذهم العذاب فإذا هم يجأرون ; فيأخذهم التوبيخ والتأنيب:(قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون، مستكبرين به سامرا تهجرون).. ويستنكر السياق موقفهم العجيب من رسولهم الأمين، وهم يعرفونه ولا ينكرونه ; وقد جاءهم بالحق لا يسألهم عليه أجرا. فماذا ينكرون منه ومنالحق الذي جاءهم به ؟ وهم يسلمون بملكية الله لمن في السماوات والأرض، وربوبيته للسماوات والأرض، وسيطرته على كل شيء في السماوات والأرض. وبعد هذا التسليم هم ينكرون البعث، ويزعمون لله ولدا سبحانه ! ويشركون به آلهة أخرى (فتعالى عما يشركون).