فالخاشع في صلاته لا بد وأن يحصل له مما يتعلق بالقلب من الأفعال نهاية الخضوع والتذلل للمعبود، ومن التروك أن لا يكون ملتفت الخاطر إلى شيء سوى التعظيم، ومما يتعلق بالجوارح أن يكون ساكناً مطرقاً ناظراً إلى موضع سجوده، ومن التروك أن لا يلتفت يميناً ولا شمالاً، ولكن الخشوع الذي يرى على الإنسان ليس إلا ما يتعلق بالجوارح فإن ما يتعلق بالقلب لا يرى، قال : الحسن وابن سيرين كان المسلمون يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم، وكان رسول الله ﷺ يفعل ذلك فلما نزلت هذه الآية طأطأ وكان لا يجاوز بصره مصلاه، فإن قيل فهل تقولون إن ذلك واجب في الصلاة ؟ قلنا إنه عندنا واجب ويدل عليه أمور : أحدها : قوله تعالى :﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرءان أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [ محمد : ٢٤ ] والتدبر لا يتصور بدون الوقوف على المعنى، وكذا قوله تعالى :﴿وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلاً﴾ [ المزمل : ٤ ] معناه قف على عجائبه ومعانيه وثانيها : قوله تعالى :﴿وَأَقِمِ الصلاة لذكريا﴾ [ طه : ١٤ ] وظاهر الأمر للوجوب والغفلة تضاد الذكر فمن غفل في جميع صلاته كيف يكون مقيماً للصلاة لذكره وثالثها : قوله تعالى :﴿وَلاَ تَكُنْ مّنَ الغافلين﴾ [ الأعراف : ٢٠٥ ] وظاهر النهي للتحريم ورابعها : قوله :﴿حتى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ﴾ [ النساء : ٤٣ ] تعليل لنهي السكران وهو مطرد في الغافل المستغرق المهتم بالدنيا وخامسها : قوله عليه السلام :" إنما الخشوع لمن تمسكن وتواضع " وكلمة إنما للحصر، وقوله عليه السلام :" من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً " وصلاة الغافل لا تمنع من الفحشاء، وقال عليه السلام :


الصفحة التالية
Icon