قالت المعتزلة لولا أن الله تعالى قد يكون خالقاً لفعله إذا قدره لما جاز القول بأنه أحسن الخالقين، كما لو لم يكن في عباده من يحكم ويرحم لم يجز أن يقال فيه أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، والخلق في اللغة هو كل فعل وجد من فاعله مقدراً لا على سهو وغفلة، والعباد قد يفعلون ذلك على هذا الوجه، قال الكعبي هذه الآية، وإن دلت على أن العبد خالق إلا أن اسم الخالق لا يطلق على العبد إلا مع القيد كما أنه يجوز أن يقال رب الدار، ولا يجوز أن يقال رب بلا إضافة، ولا يقول العبد لسيده هو ربي، ولا يقال إنما قال الله تعالى ذلك لأنه سبحانه وصف عيسى عليه السلام بأنه يخلق من الطين كهيئة الطير لأنا نجيب عنه من وجهين : أحدهما : إن ظاهر الآية يقتضي أنه سبحانه ﴿أَحْسَنُ الخالقين﴾ الذين هم جمع فحمله على عيسى خاصة لا يصح الثاني : أنه إذا صح وصف عيسى بأنه يخلق صح وصف غيره من المصورين أيضاً بأنه يخلق ؟ وأجاب أصحابنا بأن هذه الآية معارضة بقول الله تعالى :
﴿الله خالق كُلّ شَيْء﴾ [ الزمر : ٦٢ ] فوجب حمل هذه الآية على أنه ﴿أَحْسَنُ الخالقين﴾ في اعتقادكم وظنكم، كقوله تعالى :﴿وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [ الروم : ٢٧ ] أي هو أهون عليه في اعتقادكم وظنكم والجواب الثاني : هو أن الخالق هو المقدر لأن الخلق هو التقدير والآية تدل على أنه سبحانه أحسن المقدرين، والتقدير يرجع معناه إلى الظن والحسبان، وذلك في حق الله سبحانه محال، فتكون الآية من المتشابهات والجواب الثالث : أن الآية تقتضي كون العبد خالقاً بمعنى كونه مقدراً، لكن لم قلت بأنه خالق بمعنى كونه موجداً.
المسألة الثانية :


الصفحة التالية
Icon