وقال أبو حيان :
﴿ ولقد خلقنا الإنسان ﴾ الآية
لما ذكر تعالى أن المتصفين بتلك الأوصاف الجليلة هم يرثون الفردوس فتضمن ذلك المعاد الأخروي، ذكر النشأة الأولى ليستدل بها على صحة النشأة الآخرة.
وقال ابن عطية : هذا ابتداء كلام والواو في أوله عاطفة جملة كلام على جملة، وإن تباينت في المعاني انتهى.
وقد بيّنا المناسبة بينهما ولم تتباين في المعاني من جميع الجهات.
و﴿ الإنسان ﴾ هنا.
قال قتادة وغيره ورواه عن سلمان وابن عباس آدم لأنه انسل من الطين ﴿ ثم جعلنا ﴾ عائد على ابن آدم وإن كان لم يذكر لشهرة الأمر وأن المعنى لا يصلح إلاّ له ونظيره ﴿ حتى توارت بالحجاب ﴾ أو على حذف مضاف أي ثم جعلنا نسله.
وعن ابن عباس أيضاً أن ﴿ الإنسان ﴾ ابن آدم و﴿ سلالة من طين ﴾ صفوة الماء يعني المني وهو اسم جنس، والطين يراد به آدم إذ كانت نشأة من الطين كما سمى عرق الثرى أو جعل من الطين لكونه سلالة من أبويه وهما متغذيان بما يكون من الطين.
وقال الزمخشري : خلق جوهر الإنسان أولاً طيناً ثم جعل جوهره بعد ذلك نطفة انتهى.
فجعل الإنسان جنساً باعتبار حالتيه لا باعتبار كل مردود منه و﴿ من ﴾ الأولى لابتداء الغاية و﴿ من ﴾ الثانية قال الزمخشري للبيان كقوله ﴿ من الأوثان ﴾ انتهى.
ولا تكون للبيان إلاّ على تقدير أن تكون السلالة هي الطين، أما إذا قلنا أنه ما انسل من الطين فتكون لابتداء الغاية.
والقرار مكان الاستقرار والمراد هنا الرحم.
والمكين المتمكن وصف القرار به لتمكنه في نفسه بحيث لا يعرض له اختلال، أو لتمكن من يحل فيه فوصف بذلك على سبيل المجاز كقوله طريق سائر لكونه يسار فيه، وتقدم تفسير النطفة والعلقة والمضغة.
وقرأ الجمهور عظاماً و﴿ العظام ﴾ الجمع فيهما.
وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم وأبان والمفضل والحسن وقتادة وهارون والجعفي ويونس عن أبي عمرو وزيد بن عليّ بالإفراد فيهما.


الصفحة التالية
Icon