وقال بذلك قتادة فتكون السّلالة الطينَةَ الخاصةَ التي كوّن الله منها آدم وهي الصلصال الذي ميزه من الطين في مبدإ الخليقة، فتلك الطينة مسْلولة سلاّ خاصّاً من الطين ليتكوّن منها حيٌّ، وعليه فضمير ﴿ جعلناه نطفة ﴾ على هذا الوجه عائد إلى الإنسان باعتبار كونه نسلاً لآدم فيكون في الضمير استخدام، ويكون معنى هذه الآية كمعنى قوله تعالى :﴿ وبدَأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ﴾ [ السجدة : ٧، ٨ ].
وحرف ( ثم ) في قوله :﴿ ثم خلقنا النطفة علقة ﴾ للترتيب الرتْبي إذ كان خلق النطفة علقة أعجبَ من خلق النطفة إذ قد صُير الماء السائل دَماً جامداً فتغير بالكثافة وتبدل اللون من عواملَ أودعها الله في الرحم.
ومن إعجاز القرآن العلمي تسمية هذا الكائن باسم العلَقة فإنه وضْع بديع لهذا الاسم إذ قد ثبت في علم التشريح أن هذا الجزء الذي استحالت إليه النطفة هو كائن له قوة امتصاص القوة من دم الأم بسبب التصاقه بعروق في الرحم تدفع إليه قوة الدم، والعلقة : قطعة من دم عاقد.
والمضغة : القطعة الصغيرة من اللحم مقدار اللقمة التي تمضغ.
وقد تقدم في أول سورة الحج كيفية تخلق الجنين.
وعطف جَعل العَلقةِ مُضغةً بالفاء لأن الانتقال من العلقة إلى المضغة يشبه تعقيب شيء عن شيء إذ اللحم والدم الجامد متقاربان فتطورهما قريب وإن كان مكث كل طورٍ مدة طويلة.
وخلق المضغة عظاماً هو تكوين العظام في داخل تلك المضغة وذلك ابتداء تكوين الهيكل الإنساني من عظم ولحم، وقد دل عليه قوله :﴿ فكسونا العظام لحماً ﴾ بفاء التفريع على الوجه الذي قرر في عطف ﴿ فخلقنا المضغة ﴾ بالفاء.


الصفحة التالية
Icon