فصل


قال الفخر :
﴿ قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (٢٦) ﴾
أما قوله :﴿رَبِّ انصرني بِمَا كَذَّبُونِ﴾ ففيه وجوه : أحدها : أن في نصره إهلاكهم فكأنه قال أهلكهم بسبب تكذيبهم إياي وثانيها : انصرني بدل ما كذبوني كما تقول هذا بذاك أي بدل ذلك ومكانه، والمعنى أبدلني من غم تكذيبهم سلوة النصر عليهم وثالثها : انصرني بإنجاز ما وعدتهم من العذاب وهو ما كذبوه فيه حين قال لهم :﴿إِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [ الأعراف : ٥٩ ] ولما أجاب الله دعاءه قال :﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصنع الفلك بِأَعْيُنِنَا﴾ أي بحفظنا وكلئنا كأن معه من الله حافظاً يكلؤه بعينه لئلا يتعرض له ولا يفسد عليه مفسد عمله، ومنه قولهم : عليه من الله عين كالئة، وهذه الآية دالة على فساد قول المشبهة في تمسكهم بقوله عليه السلام :" إن الله خلق آدم على صورته " لأن ثبوت الأعين يمنع من ذلك، واختلفوا في أنه عليه السلام كيف صنع الفلك فقيل إنه كان نجاراً وكان عالماً بكيفية اتخاذها، وقيل إن جبريل عليه السلام علمه عمل السفينة ووصف له كيفية اتخاذها، وهذا هو الأقرب لقوله ﴿بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا ﴾.
أما قوله :﴿فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا﴾ فاعلم أن لفظ الأمر كما هو حقيقة في طلب الفعل بالقول على سبيل الاستعلاء، فكذا هو حقيقة في الشأن العظيم، والدليل عليه أنك إذا قلت هذا أمر بقي الذهن يتردد بين المفهومين وذلك يدل على كونه حقيقة فيهما وتمام تقريره مذكور في كتاب المحصول في الأصول، ومن الناس من قال : إنما سماه أمراً على سبيل التعظيم والتفخيم، مثل قوله :﴿فقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً﴾ [ فصلت : ١١ ].
أما قوله :﴿وَفَارَ التنور﴾ فاختلفوا في التنور، فالأكثرون على أنه هو التنور المعروف.


الصفحة التالية
Icon