وقال ابن عطية فى الآيات السابقة :
ثم إن نوحاً عليه السلام دعا على قومه حين يئس منهم وإن كان دعاؤه في هذه الآية ليس بنص وإنما هو ظاهر من قوله ﴿ بما كذبون ﴾ فهذا يقتضي طلبه العقوبة وأما النصرة بمجردها فكانت تكون بردهم إلى الإيمان، وقرأ أبو جعفر وابن محيصن " ربُّ انصرني " برفع الباء وكذلك " ربُّ احكم " وشبهه.
﴿ فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا ﴾
قد تقدم القول في صفة السفينة وقدرها في سورة هود، و﴿ الفلك ﴾ هنا مفرد لا جمع، وقوله تعالى ﴿ بأعيننا ﴾ عبارة عن الإدراك، هذا مذهب الحذاق، ووقفت الشريعة على أعين وعين ولا يجوز أن يقال عينان من حيث لم توقف الشريعة على التثنية و﴿ وحينا ﴾ معناه في كيفية العمل ووجه البيان، وذلك أن جبريل عليه السلام نزل إلى نوح فقال له اصنع كذا وكذا لجميع حكم السفينة وما تحتاج إليه واستجن الكفار نوحاً لادعائه النبوءة بزعمهم أنها دعوى وسخروا منه لعمله السفينة على غير مجرى، ولكونها أَول سفينة إن صح ذلك، وقوله ﴿ أمرنا ﴾، يحتمل أن يكون مصدراً بمعنى أَن نأمر الماء بالفيض ويحتمل أن يريد واحد الأمور أي هلاكنا للكفرة، وقد تقدم القول في معنى قوله ﴿ وفار التنور ﴾ والصحيح من الأقوال فيه أنه تنور الخبز وأَنها أمارة كانت بين الله تعالى وبين نوح عليه السلام وقوله ﴿ فاسلك ﴾ معناه فادخل ومنه قول الشاعر :[ البسيط ]
حتى سلكن الشوى منهن في مسلك... من نسل جوابة الآفاق مهداج
وقول الآخر :[ الوافر ]
وكنت لزاز خصمك لم أعرد... وقد سلكوك في يوم عصيب