وقال أبو حيان فى الآيات السابقة :
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (٢٣) ﴾
لما ذكر أولاً بدء الإنسان وتطوّره في تلك الأطوار، وما امتن به عليه مما جعله تعالى سبباً لحياتهم، وإدراك مقاصدهم، ذكر أمثالاً لكفار قريش من الأمم السابقة المنكرة لإرسال الله رسلاً المكذبة بما جاءتهم به الأنبياء عن الله، فابتدأ قصة نوح لأنه أبو البشر الثاني كما ذكر أولاً آدم في قوله ﴿ من سلالة من طين ﴾ ولقصته أيضاً مناسبة بما قبلها إذ قبلها ﴿ وعلى الفلك تحملون ﴾ فذكر قصة من صنع الفلك أولاً وأنه كان سبب نجاة من آمن وهلك من لم يكن فيه الفلك من نعمة الله، كل هذه القصص يحذر بها قريشاً نقم الله ويذكرهم نعمه.
﴿ ما لكم من إله غيري ﴾ جملة مستأنفة منبهة على أن يفرد بالعبادة من كان منفرداً بالإلهية فكأنها تعليل لقوله ﴿ اعبدوا الله ﴾ ﴿ أفلا تتقون ﴾ أي أفلا تخافون عقوبته إذا عبدتم غيره ﴿ فقال الملأ ﴾ أي كبراء الناس وعظماؤهم، وهم الذين هم أعصى الناس وأبعدهم لقبول الخير.
﴿ ما هذا إلاّ بشر مثلكم ﴾ أي مساويكم في البشرية.
﴿ فأنى تؤفكون ﴾ اختصاص بالرسالة.
﴿ يريد أن يتفضل عليكم ﴾ أي يطلب الفضل عليكم ويرأسكم كقوله :﴿ وتكون لكما الكبرياء في الأرض ﴾ ﴿ ولو شاء الله لأنزل ملائكة ﴾ هذا يدل على أنهم كانوا مقرين بالملائكة وهذه شنشنة قريش ودأبها في استبعاد إرسال الله البشر، والإشارة في هذا تحتمل أن تكون لنوح عليه السلام، وأن تكون إلى ما كلمهم به من الأمر بعبادة الله ورفض أصنامهم، وأن يكون إلى ما أتى به من أنه رسول الله وهو بشر، وأعجب بضلال هؤلاء استبعدوا رسالة البشر واعتقدوا إلهية الحجر.


الصفحة التالية
Icon