وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ ﴾
أي من بعد هلاك قوم نوح.
﴿ قَرْناً آخَرِينَ ﴾ قيل : هم قوم عاد.
﴿ فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ ﴾ يعني هوداً ؛ لأنه ما كانت أمة أنشئت في إثر قوم نوح إلا عاد.
وقيل : هم قوم ثمود "فأرسلنا فيهم رسولاً" يعني صالحاً.
قالوا : والدليل عليه قوله تعالى آخر الآية "فأخذتهم الصيحة" ؛ نظيرها :﴿ وَأَخَذَ الذين ظَلَمُواْ الصيحة ﴾ [ هود : ٦٧ ].
قلت : وممن أخذ بالصيحة أيضاً أصحاب مدين قومُ شعيب، فلا يبعد أن يكونوا هم، والله أعلم.
﴿ مِّنْهُمْ ﴾ أي من عشيرتهم، يعرفون مولده ومنشأه ليكون سكونهم إلى قوله أكثر.
قوله تعالى :﴿ وَقَالَ الملأ ﴾ أي الأشراف والقادة والرؤساء.
﴿ مِن قَوْمِهِ الذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ الآخرة ﴾ يريد بالبعث والحساب.
﴿ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الحياة الدنيا ﴾ أي وسّعْنَا عليهم نعم الدنيا حتى بَطِروا وصاروا يؤتوْن بالتُّرْفة، وهي مثل التُّحْفة.
﴿ مَا هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ﴾ فلا فضل له عليكم لأنه محتاج إلى الطعام والشراب كأنتم.
وزعم الفرّاء أن معنى "ويشرب مما تشربون" على حذف مِن، أي مما تشربون منه ؛ وهذا لا يجوز عند البصريين ولا يحتاج إلى حذف ألْبَتَّة ؛ لأن "ما" إذا كان مصدراً لم يحتج إلى عائد، فإن جعلتها بمعنى الذي حذفت المفعول ولم يحتج إلى إضمار من.
﴿ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ ﴾ يريد لمغبونون بترككم آلهتكم واتّباعكم إياه من غير فضيلة له عليكم.
﴿ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتٌّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ ﴾ أي مبعوثون من قبوركم.
و"أنّ" الأولى في موضع نصب بوقوع "يعدِكم" عليها، والثانية بدل منها ؛ هذا مذهب سيبويه.