أما قوله تعالى :﴿مّنَ الطيبات﴾ ففيه وجهان : الأول : أنه الحلال وقيل طيبات الرزق حلال وصاف وقوام فالحلال الذي لا يعصى الله فيه، والصافي الذي لا ينسى الله فيه والقوام ما يمسك النفس ويحفظ العقل والثاني : أنه المستطاب المستلذ من المأكل والفواكه فبين تعالى أنه وإن ثقل عليهم بالنبوة وبما ألزمهم القيام بحقها، فقد أباح لهم أكل الطيبات كما أباح لغيرهم.
واعلم أنه سبحانه كما قال المرسلين ﴿يا أَيُّهَا الرسل كُلُواْ مِنَ الطيبات﴾ فقال للمؤمنين :﴿يا أَيُّهَا الذين ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا رزقناكم﴾، واعلم أن تقديم قوله :﴿كُلُواْ مِنَ الطيبات﴾ على قوله :﴿واعملوا صالحا﴾ كالدلالة على أن العمل الصالح لا بد وأن يكون مسبوقاً بأكل الحلال، فأما قوله :﴿إِنّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ فهو تحذير من مخالفة ما أمرهم به وإذا كان ذلك تحذيراً للرسل مع علو شأنهم فبأن يكون تحذيراً لغيرهم أولى.
أما قوله :﴿وَإِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحدة وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فاتقون﴾ فقد فسرناه في سورة الأنبياء وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :
المعنى أنه كما يجب اتفاقهم على أكل الحلال والأعمال الصالحة فكذلك هم متفقون على التوحيد وعلى الإتقاء من معصية الله تعالى.
فإن قيل لما كانت شرائعهم مختلفة فكيف يكون دينهم واحداً ؟ قلنا المراد من الدين ما لا يختلفون فيه من معرفة ذات الله تعالى وصفاته، وأما الشرائع فإن الاختلاف فيها لا يسمى اختلافاً في الدين، فكما يقال في الحائض والطاهر من النساء إن دينهن واحد وإن افترق تكليفهما فكذا ههنا، ويدل على ذلك قوله :﴿وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فاتقون﴾ فكأنه نبه بذلك على أن دين الجميع واحد فيما يتصل بمعرفة الله تعالى واتقاء معاصيه فلا مدخل للشرائع، وإن اختلفت في ذلك.
المسألة الثانية :
قرىء وإن بالكسر على الاستئناف وإن بمعنى ولأن وإن مخففة من الثقيلة وأمتكم مرفوعة معها.


الصفحة التالية
Icon